أخبار غيلان ونسبه
  معي. فخرج معها، فقالت: إني رأيت عبدك فلانا قد احتفر هاهنا ليلة كذا وكذا ودفن شيئا، وإنه لا يزال يعتاده ويراعيه، ويتفقّده في اليوم مرّات، وما أراه إلا المال. فاحتفر الموضع فإذا هو بماله، فأخذه وابتاع الأمة فأعتقها، وشاع الخبر في الناس حتّى بلغ ابنه عمارا، فقال: واللَّه لا يراني غيلان أبدا، ولا ينظر في وجهي. / وقال:
  حلفت لهم بما يقول محمّد ... وباللَّه إنّ اللَّه ليس بغافل
  برئت من المال الَّذي يدفنونه ... أبرّئ نفسي أن ألطَّ بباطل(١)
  ولو غير شيخي من معدّ يقوله ... تيممته بالسيف غير مواكل
  وكيف انطلاقي بالسّلاح إلى امرئ ... تبشّره بي يبتدرن قوابلي
  فلما أسلم غيلان، خرج عامر وعمّار مغاضبين له مع خالد بن الوليد، فتوفي عامر بعمواس، وكان فارس ثقيف يومئذ، وهو صاحب شنوءة يوم تثليث(٢)، وهو قتل سيّدهم جابر بن سنان أخا دهنة، فقال غيلان يرثي عامرا:
  غيلان يرثي ولده عامرا
  عيني تجود بدمعها الهتّان ... سحّا وتبكي فارس الفرسان(٣)
  يا عام من للخيل لمّا أجحمت ... عن شدّة مرهوبة وطعان
  لو أستطيع جعلت منّي عامرا ... بين الضّلوع وكلّ حيّ فان
  يا عين بكَّي ذا الحزامة عامرا ... للخيل يوم تواقف وطعان
  وله بتثليثات شدّة معلم ... منه وطعنة جابر بن سنان(٤)
  فكأنّه صافي الحديدة مخذم ... مما يحير الفرس للباذان(٥)
  ما قاله فيما حدث لجاره الباهلي
  نسخت من كتاب أبي سعيد السّكَّري، قال: كان لغيلان بن سلمة جار من باهلة، وكانت له إبل يرعاها راعيه في الإبل مع إبل غيلان، فتخطَّى بعضها إلى أرض لأبي عقيل بن مسعود بن عامر بن معتّب، فضرب أبو عقيل الراعي واستخفّ به، فشكا الباهليّ ذلك إلى غيلان، فقال لأبي عقيل:
  ألا من يرى رأى امرئ ذي قرابة ... أبي صدره بالضغن إلا تطلعا
  فسلمك أرجو لا العداوة إنّما ... أبوك أبي وإنّما صفقنا معا(٦)
  وإنّ ابن عم المرء مثل سلاحه ... يقيه إذا لاقى الكميّ المقنّعا
  فإن يكثر المولى فإنّك حاسد ... وإن يفتقر لا يلف عندك مطمعا
  فهذا وعيد وادّخار فإن تعد ... وجدّك أعلم ما تسلَّفت أجمعا(٧)
(١) في ش، ح: «لبرئت» ولا يستقيم الوزن بهذا. وألط: ألصق.
(٢) شنوءة: قبيلة. تثليث: موضع بالحجاز قرب مكة. ويوم تثليث: من أيام العرب بين بني سليم ومراد. قال أعشى باهلة:
وجاشت النفس لما جاء فلهم ... وراكب جاء من تثليث معتمر
(٣) في ح: «بدمعها الشتان».
(٤) المعلم: الفارس جعل لنفسه علامة الشجعان في الحرب.
(٥) المخذم: القاطع. يحير: يرد ويرجع. والبادان: اسم للذين دخلوا حديثا في الإسلام، كما في «معجم استينجاس».
(٦) الصفق: الضرب. وهو أيضا ضرب الأيدي عند المبايعة.
(٧) تسلف في المادة والشيء: اقترض. والمعنى إن عدت فسأقف على ما وقع منك.