كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار عبد الرحمن ونسبه

صفحة 180 - الجزء 13

  فرضي عنه زياد، وكتب له بذلك إلى معاوية، فلما دخل عليه بالكتاب قال: أنشدني ما قلت لزياد. فأنشده، فتبسّم ثم قال: قبح اللَّه زيادا، ما أجهله، واللَّه لما قلت له أخيرا حيث تقول:

  لأنت زيادة في آل حرب

  شرّ من القول الأوّل، ولكنّك خدعته فجازت خديعتك عليه.

  هجاء عبد الرحمن لأخيه الحارث حين استعفى من الغزو

  أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قال: حدّثنا عمر بن شبة قال: استعمل معاوية بن أبي سفيان الحارث بن الحكم بن أبي العاصي على غزاة البحر، فنكص واستعفى، فوجّه مكانه ابن أخيه عبد الملك بن مروان، فمضى وأبلى وحسن بلاؤه، فقال عبد الرحمن بن الحكم لأخيه الحارث:

  /

  شنئتك إذ رأيتك حوتكيّا ... قريب الخصيتين من التراب⁣(⁣١)

  كأنّك قملة لقحت كشافا ... لبرغوث ببعرة أو صوأب⁣(⁣٢)

  كفاك الغزو إذا أحجمت عنه ... حديث السن مقتبل الشّباب⁣(⁣٣)

  فليتك حيضة ذهبت ضلالا ... وليتك عند منقطع السّحاب⁣(⁣٤)

  هجاؤه لمروان حين أعدى عليه الحناط

  أخبرني محمّد بن الحسن بن دريد قال: حدّثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: لطم عبد الرحمن بن الحكم مولى لأهل المدينة حنّاطا، وأخوه مروان يومئذ وال لأهل المدينة، فاستعداه الحنّاط عليه، فأجلسه مروان بين يديه وقال له: الطمه - وهو أخو مروان لأبيه وأمه - فقال الحنّاط: واللَّه ما أردت هذا، وإنّما أردت أن أعلمه أنّ فوقه سلطانا ينصرني عليه، وقد وهبتها لك. قال: لست أقبلها منك فخذ حقّك. فقال: واللَّه لا ألطمه، ولكنّي أهبها لك. فقال له مروان: إن كنت ترى أن ذلك يسخطني فو اللَّه لا أسخط، فخذ حقّك. فقال: قد وهبتها لك، ولست واللَّه لاطمه.

  قال: لست واللَّه قابلها، فإن وهبتها فهبها لمن لطمك، أو للَّه عزّ وعلا. فقال: قد وهبتها للَّه تعالى. فقال عبد الرحمن يهجو أخاه مروان:

  كلّ ابن أم زائد غير ناقص ... وأنت ابن أمّ ناقص غير زائد

  وهبت نصيبي منك يا مرو كلَّه ... لعمرو وعثمان الطَّويل وخالد

  رثاؤه لقتلى قريش يوم الجمل

  أخبرني هاشم بن محمّد أبو دلف الخزاعي، قال: حدّثنا أبو غسان دماذ، عن أبي عبيدة قال:

  نظر عبد الرحمن بن الحكم إلى قتلى قريش يوم الجمل فبكى، وأنشأ يقول:

  أيا عين جودي بدمع سرب ... على فتية من خيار العرب⁣(⁣٥)

  وما ضرّهم، غير حين النّفوس، ... أيّ أميري قريش غلب⁣(⁣٦)


(١) الحوتكي: القصير الضاوي، أو الشديد الأكل.

(٢) الكشاف: أن تلقح الناقة حين تنتج أو أن تحمل عليها في كل سنة، وذلك أردأ النتاج. والصؤاب: جمع صؤابة: بيض القمل.

(٣) يعني بذلك عبد الملك بن مروان.

(٤) منقطع السحاب: طرفه الَّذي ينقطع عنده.

(٥) السرب، بالتحريك: السائل المنسرب. وفي الأصول: «شرب» تحريف.

(٦) الحين: الهلاك، أي ما قدر لهم من ذلك. وفي الأصل: «جبن».