أخبار مسعدة ونسبه
  خرجت عاتكة بنت الملاءة إلى بعض بوادي البصرة فلقيت بدويا معه سمن فقالت له: أتبيع هذا السّمن؟
  فقال: نعم. قالت: أرناه. ففتح نحيا(١) فنظرت إلى ما فيه، ثم ناولته إياه وقالت: افتح آخر. ففتح أخر فنظرت إلى ما فيه ثم ناولته إياه، فلما شغلت يديه أمرت جواريها فجعلن يركلن في استه وجعلت تنادي: يا لثارات ذات النّحيين!
  قصة ذات النحيين
  قال الزّبير: تعني ما صنع بذات النّحيين في الجاهلية؛ فإنّ رجلا يقال له: خوّات بن جبير رأى امرأة معها نحيا سمن فقال: أريني هذا. ففتحت له أحد النّحيين، فنظر إليه ثم قال: أريني الآخر. ففتحته، ثم دفعه إليها، فلما شغل يديها وقع عليها، فلا تقدر على الامتناع خوفا من أن يذهب السمن، فضربت / العرب المثل بها، وقالت:
  «أشغل من ذات النّحيين». فأرادت عاتكة بنت الملاءة أنّ هذا لم يفعله أحد من النساء برجل كما يفعله الرّجل بالمرأة غيرها، وأنّها ثأرت للنّساء ثأرهنّ من الرّجال بما فعلته.
  ما جرى بين الملاءة وعمر بن أبي ربيعة
  أخبرني علي بن صالح بن الهيثم قال: حدّثنا أبو هفّان عن إسحاق الموصليّ عن الزبير والمسيّبي(٢) ومحمّد بن سلام وغيرهم من رجاله: أنّ الملاءة بنت زرارة لقيت عمر بن أبي ربيعة بمكة وحوله جماعة ينشدهم، فقالت لجارية: من هذا؟ قالت: عمر بن أبي بربيعة، المنتقل من منزله من ذات وداد إلى أخرى، الَّذي لم يدم على وصل، ولا لقوله فرع ولا أصل، أما واللَّه لو كنت كبعض من يواصل لما رضيت منه بما ترضين، وما رأيت أدنا من نساء أهل الحجاز ولا أقرّ منهنّ بخسف، واللَّه لأمة من إمائنا آنف منهنّ! فبلغ ذلك عمر عنها، فراسلها فراسلته، فقال:
  حيّ المنازل قد عمرن خرابا ... بين الجرين وبين ركن كسابا(٣)
  بالثّني من ملكان غيّر رسمها ... مرّ السحاب المعقبات سحابا(٤)
  وذيول معصفة الرّياح تجرّها ... دققا فأصبحت العراص يبابا(٥)
  ولقد أراها مرّة مأهولة ... حسنا جناب محلَّها معشابا(٦)
  دارّ الَّتي قالت غداة لقيتها ... عند الجمار فما عييت جوابا
  هذا الَّذي باع الصّديق بغيره ... ويريد أن أرضى بذاك ثوابا
  / قلت اسمعي منّي المقال ومن يطع ... بصديقه المتملَّق الكذّابا
(١) النحي، بالكسر: الزق، أو ما كان للسمن خاصة.
(٢) المسيبي في س، ش بدون واو بين العلمين، واعتمدنا ما في ح.
(٣) عمر: بقي زمانا. الجرين بهيئة التصغير: موضع بين سواج والنير باللعباء من أرض نجد. كساب بالضم: موضع، وقال عبد اللَّه بن إبراهيم الجمحي: كساب، بالفتح على وزن قطام: جبل في ديار هذيل قرب الحزم لبني لحيان.
(٤) الثنى من كل نهر أو جبل: منعطفه، وملكان بكسر اللام: واد لهذيل على ليلة من مكة.
(٥) دقق التراب بضم ففتح: دقاقة، واحدها دقة بالضم. وفي الأصول: «وقفا» صوابه في «الديوان» ١١٤. العراص جمع عرصة، بالفتح، وهي البقعة الواسعة بين الدور. واليباب: المقفرة. وهذا تصحيح ش، وفي سائر النسخ: «العرائص بابا».
(٦) الجناب: الناحية والفناء.