أخبار محمد بن كناسة ونسبه
  وكان يرى الدنيا قليلا كثيرها ... فكان لأمر اللَّه فيهما معظَّما
  أمات الهوى حتى تجنّبه الهوى ... كما اجتنب الجاني الدّم الطالب الدّما
  وللحلم سلطان على الجهل عنده ... فما يستطيع الجهل أن يترمرما(١)
  وأكثر ما تلقاه في القوم صامتا ... وإن قال بذّ القائلين وأحكما
  يرى مستكينا خاضعا متواضعا ... وليثا إذا لاقى الكتيبة ضيغما
  على الجدث الغربيّ من آل وائل ... سلام وبرّ ما أبرّ وأكرما
  رد ابن كناسة على عتاب صديق
  أخبرني الحسن قال حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثني زكريا بن مهران قال: عاتب محمّد بن كناسة صديق له شريف كان ابن كناسة يزوره ويألفه على تأخره عنه، فقال ابن كناسة:
  ضعفت عن الإخوان حتى جفوتهم ... على غير زهد في الوفاء ولا الودّ
  ولكنّ أيامي تخرّمن منّتي ... فما أبلغ الحاجات إلا على جهد(٢)
  رأي ابن كناسة في الدنيا
  حدّثني الحسن بن علي قال حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثني محمّد بن عمران الضّبّيّ قال أنشدني ابن كناسة - قال الضّبّيّ: وكان يحيى يستحسنها ويعجب بها -:
  ومن عجب الدنيا تبقّيك للبلى ... وأنّك فيها للبقاء مريد
  وأيّ بني الأيام إلا وعنده ... من الدهر ذنب طارف وتليد
  ومن يأمن الأيام أما انبياعها ... فخطر وأما فجعها فعتيد(٣)
  إذا اعتادت النفس الرّضاع من الهوى ... فإنّ فطام النفس عنه شديد
  ابن كناسة يصف الحيرة وما جاورها
  حدّثني الحسن قال حدّثنا ابن مهرويه قال حدّثني محمّد بن عمران الضبي قال قال لي عبيد بن الحسن:
  قال لي ابن كناسة ذات يوم في زمن الربيع: اخرج بنا ننظر إلى الحيرة فإنها حسنة في هذا الوقت. فخرجت معه حتى بلغنا الخورنق، فلم يزل ينظر إلى البر وإلى رياض الحيرة وحمرة الشقائق، فأنشأ يقول:
  الآن حين تزيّن الظَّهر ... ميثاؤه وبراقه العفر(٤)
  بسط الربيع بها الرياض كما ... بسطت قطوع اليمنة الخمر(٥)
  / برّيّة في البحر نابتة ... يجبى إليها البرّ والبحر
(١) ترمرم: تحرك للكلام ولم يتكلم. وفي س: «يتزمزم».
(٢) تخرم: اقتطع. المنة: القوّة.
(٣) الانبياع: الوثوب بعد سكون. وفي الأصول: «اتساعها». والخطر: مصدر خطر الفحل بذنبه يخطر: ضرب به يمينا وشمالا. العتيد:
الحاضر المهيأ.
(٤) الميثاء: الأرض السهلة. براقة: جمع برقاء وهي أرض غليظة مختلطة بحجارة ورمل.
(٥) قطوع اليمنة: بسط اليمن.