كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار محمد بن يسير ونسبه

صفحة 265 - الجزء 14

  صوت

  يوم سبت وشنبذ ورذاذ ... فعلام الجلوس يا بن يسير؟⁣(⁣١)

  قم بنا نأخذ المدامة من كفّ غزال مضمّخ بالعبير⁣(⁣٢) - في هذين البيتين لعباس أخي بحر ثقيل أوّل بالبنصر - وبعث إليه بالرّقعة، فإذا الغلمان قد جاؤوا بالجواب. فقال لهم: بعثتكم لتجيئوني برجل فجئتموني برقعة! فقالوا: لم نلقه، وإنما كتب جوابها في منزله، ولم تأمرنا بالهجوم عليه فنهجم. فقرأها فإذا فيها:

  /

  أجيء على شرط فإن كنت فاعلا ... وإلَّا فإنّي راجع لا أناظر

  ليسرج لي البرذون في حال دلجتي ... وأنت بدلجاتي مع الصبح خابر⁣(⁣٣)

  لأقضي حاجاتي إليه وأنثني ... إليك، وحجّام إذا جئت حاضر

  فيأخذ من شعري ويصلح لحيتي ... ومن بعد حمّام وطيب وجامر⁣(⁣٤)

  ودستيجة من طيّب الراح ضخمة ... يروّدنيها طائعا لا يعاسر⁣(⁣٥)

  فقال محمّد بن أيوب: ما نقول؟ فقلت: إنك لا تقوى على مطاولته، ولكن اضمن له ما طلب، فكتب إليه: قد أغدّ لك - وحياتك - كلّ ما طلبت فلا تبطئ؛ فإذا به قد طلع علينا، فأمر محمّد بن أيوب بإحضار المائدة. فلما أحضرت أمر بمحمد بن يسير فشدّ بحبل إلى أسطوانة من أساطين المجلس، وجلسنا نأكل بحذائه. فقال لنا: أيّ شيء يخلَّصني؟ قلنا: تجيب نفسك عما كتبت به أقبح جواب. فقال: كفّوا عن الأكل إذا ولا تستبقوني به فتشغلوا خاطري، ففعلنا ذلك وتوقّفنا، فأنشأ يقول:

  أيا عجبا من ذا التّسرّي فإنّه ... له نخوة في نفسه وتكابر⁣(⁣٦)

  / يشارط لمّا زار حتّى كأنه ... مغنّ مجيد أو غلام مؤاجر⁣(⁣٧)


(١) شنبذ: كلمة فارسية. جاء في «معجم جونسون» - وهو معجم فارسي عربي إنجليزي - «شنبذ - يوم السبت. جنبد - يتحرك، يحرك.

جنبد - يثب، يقفز، يجري. وجاء في» معجم ستنجاس «: جنبد - القفز، اللعب، تقريب عقب الرجل من الرأس» ويفهم من ذلك أن هذا اليوم يوم مرح ولعب ونشاط ونحو ذلك. والرذاذ: المطر الضعيف.

(٢) المدامة والمدام: الخمر. ومضمخ: مدهن. والعبير: أخلاط من الطيب.

(٣) البرذون من الخيل: ما كان من غير نتاج العراب. والدلجة: سير السحر.

(٤) جاء في «لسان العرب»: «أجمر الثوب وجمره: بخره بالطيب، والَّذي يتولى ذلك مجر ومجمّر، والجامر: الَّذي يلي ذلك من غير فعل، إنما هو علي النسب.

(٥) في الأصول «طابعا» وهو تصحيف. والدستيج: آنية تحوّل باليد وتنقل، فارسي معرب. والراح: الخمر. يروّدنيها: رادت الإبل ترود: اختلفت في المرعى مقبلة ومدبرة، وردتها أنا وأردتها؛ أي جعلتها ترعى، فمعنى يروّدنيها هنا على التشبيه بذلك أي يجعلني أستقي منها غاديا رائحا أي مرارا. ولا يعاسر: لا يشاكس.

(٦) السرو: المروءة في شرف، سرو، ككرم ودعا ورضى فهو سريّ، وتسري تسريا: تكلف السرو. وتكابر وتكبر واستكبر بمعنى.

(٧) في الأصول «يشابط» وهو تحريف. ومؤاجر: جاء في «المصباح المنير»: «قال الأخفش: ومن العرب من يقول آجرته فأنا مؤجر (بسكون الهمز) - في تقدير أفعلت فأنا مفعل - وبعضهم يقول فأنا مؤاجر - في تقدير فاعلته اه.