أخبار محمد بن يسير ونسبه
  فلو لا ذمام كان بيني وبينه ... للطَّم بشّار قفاه وياسر(١)
  فقال محمّد: حسبك، لم نرد هذا كله، ثم حلَّه وجلس يأكل معنا، وتممنا يومنا.
  فعلة شاة منيع معه وهجاؤه إياها
  أخبرني عمي قال حدّثنا ابن مهرويه قال: حدّثني عليّ بن محمّد بن سليمان النّوفليّ قال:
  كان محمّد بن يسير من شعراء أهل البصرة وأدبائهم، وهو من خثعم وكان من بخلاء الناس، وكان له في داره بستان قدره أربعة طوابيق(٢) قلعها من داره، فغرس فيه أصل رمّان وفسيلة(٣) لطيفة، وزرع حواليه بقلا، فأفلتت شاة لجار له يقال له: منيع، فأكلت البقل ومضغت الخوص، ودخلت إلى بيته فلم تجد فيه إلا القراطيس(٤) فيها شعره وأشياء من سماعاته، فأكلتها وخرجت، فعدا إلى الجيران في المسجد يشكو ما جرى عليه، وعاد فزرع البستان، وقال يهجو شاة منيع:
  لي بستان أنيق زاهر ... ناضر الخضرة ريّان ترف(٥)
  / راسخ الأعراق ريّان الثّرى ... غدق تربته ليست تجفّ(٦)
  لمجاري الماء فيه سنن ... كيفما صرّفته فيه انصرف(٧)
  مشرق الأنوار ميّاد النّدى ... منثن في كلّ ريح منعطف(٨)
  / تملك الريح عليه أمره ... فإذا لم يؤنس الريح وقف(٩)
  يكتسي في الشرق ثوبي يمنة ... ومع الليل عليها يلتحف(١٠)
  ينطوي الليل عليه فإذا ... واجه الشرق تجلَّى وانكشف
  صابر ليس يبالي كثرة ... جزّ بالمنجل أو منه نتف
  كلما ألحف منه جانب ... لم يتلبّث منه تعجيل الخلف(١١)
(١) الذمام: الحق والحرمة. والمفهوم أنه يعني ببشار وياسر خادمين من خدم الوالي أو رجلين من أتباعه. وفي الأصول: «تلطم»؛ وهو تحريف.
(٢) الطابق كهاجر وصاحب والطاباق: الآجر الكبير. ويظهر من قوله «قلعها من داره» أن البستان كان يدور حول المنزل، وأن ذلك القدر المذكور قدر عرضه.
(٣) الفسيلة: النخلة الصغيرة.
(٤) القراطيس: جمع قرطاس (وكسر القاف أشهر من ضمها)، وهو ما يكتب فيه.
(٥) أنيق: حسن معجب. وناضر: شديد الخضرة. ويبالغ به في كل لون فيقال: أخضر ناضر، وأحمر ناضر، وأصفر ناضر. ترف: ترف النبات كفرح: تروّى، فهو ترف.
(٦) أرض غدقة: في غاية الريّ، وهي الندبة المبتلة.
(٧) سنن: جمع سنة وهي الطريقة.
(٨) الأنوار: جمع نور (بالفتح): وهو الزهر. ويقال للنبت ندى، لأنه عن ندى المطر نبت.
(٩) آنش الشيء: أحس به.
(١٠) اليمنة: برد يمني، وهو موشى.
(١١) في الأصول «ألحق» بدل «ألحف»؛ وهو تحريف. وألحفه: استأصله. ولم يتلبث: أي لم يتوقف ولم يبطئ.