كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار محمد بن يسير ونسبه

صفحة 266 - الجزء 14

  فلو لا ذمام كان بيني وبينه ... للطَّم بشّار قفاه وياسر⁣(⁣١)

  فقال محمّد: حسبك، لم نرد هذا كله، ثم حلَّه وجلس يأكل معنا، وتممنا يومنا.

  فعلة شاة منيع معه وهجاؤه إياها

  أخبرني عمي قال حدّثنا ابن مهرويه قال: حدّثني عليّ بن محمّد بن سليمان النّوفليّ قال:

  كان محمّد بن يسير من شعراء أهل البصرة وأدبائهم، وهو من خثعم وكان من بخلاء الناس، وكان له في داره بستان قدره أربعة طوابيق⁣(⁣٢) قلعها من داره، فغرس فيه أصل رمّان وفسيلة⁣(⁣٣) لطيفة، وزرع حواليه بقلا، فأفلتت شاة لجار له يقال له: منيع، فأكلت البقل ومضغت الخوص، ودخلت إلى بيته فلم تجد فيه إلا القراطيس⁣(⁣٤) فيها شعره وأشياء من سماعاته، فأكلتها وخرجت، فعدا إلى الجيران في المسجد يشكو ما جرى عليه، وعاد فزرع البستان، وقال يهجو شاة منيع:

  لي بستان أنيق زاهر ... ناضر الخضرة ريّان ترف⁣(⁣٥)

  / راسخ الأعراق ريّان الثّرى ... غدق تربته ليست تجفّ⁣(⁣٦)

  لمجاري الماء فيه سنن ... كيفما صرّفته فيه انصرف⁣(⁣٧)

  مشرق الأنوار ميّاد النّدى ... منثن في كلّ ريح منعطف⁣(⁣٨)

  / تملك الريح عليه أمره ... فإذا لم يؤنس الريح وقف⁣(⁣٩)

  يكتسي في الشرق ثوبي يمنة ... ومع الليل عليها يلتحف⁣(⁣١٠)

  ينطوي الليل عليه فإذا ... واجه الشرق تجلَّى وانكشف

  صابر ليس يبالي كثرة ... جزّ بالمنجل أو منه نتف

  كلما ألحف منه جانب ... لم يتلبّث منه تعجيل الخلف⁣(⁣١١)


(١) الذمام: الحق والحرمة. والمفهوم أنه يعني ببشار وياسر خادمين من خدم الوالي أو رجلين من أتباعه. وفي الأصول: «تلطم»؛ وهو تحريف.

(٢) الطابق كهاجر وصاحب والطاباق: الآجر الكبير. ويظهر من قوله «قلعها من داره» أن البستان كان يدور حول المنزل، وأن ذلك القدر المذكور قدر عرضه.

(٣) الفسيلة: النخلة الصغيرة.

(٤) القراطيس: جمع قرطاس (وكسر القاف أشهر من ضمها)، وهو ما يكتب فيه.

(٥) أنيق: حسن معجب. وناضر: شديد الخضرة. ويبالغ به في كل لون فيقال: أخضر ناضر، وأحمر ناضر، وأصفر ناضر. ترف: ترف النبات كفرح: تروّى، فهو ترف.

(٦) أرض غدقة: في غاية الريّ، وهي الندبة المبتلة.

(٧) سنن: جمع سنة وهي الطريقة.

(٨) الأنوار: جمع نور (بالفتح): وهو الزهر. ويقال للنبت ندى، لأنه عن ندى المطر نبت.

(٩) آنش الشيء: أحس به.

(١٠) اليمنة: برد يمني، وهو موشى.

(١١) في الأصول «ألحق» بدل «ألحف»؛ وهو تحريف. وألحفه: استأصله. ولم يتلبث: أي لم يتوقف ولم يبطئ.