أخبار ديك الجن ونسبه
  وذهبت به. فلمّا اشتهر بها دعاها إلى الإسلام ليتزوّج بها، فأجابته لعلمها برغبته فيها، وأسلمت على يده، فتزوّجها، وكان اسمها وردا؛ ففي ذلك يقول:
  انظر إلى شمس القصور وبدرها ... وإلى خزاماها وبهجة زهرها(١)
  لم تبل عينك أبيضا في أسود ... جمع الجمال كوجهها في شعرها(٢)
  ورديّة الوجنات يختبر اسمها ... من ريقها من لا يحيط بخبرها
  وتمايلت فضحكت من أردافها ... عجبا ولكنّي بكيت لخصرها
  تسقيك كأس مدامة من كفّها ... ورديّة ومدامة من ثغرها
  قال: وكان قد أعسر واختلَّت حاله، فرحل إلى سلمية(٣) قاصدا لأحمد بن عليّ الهاشميّ، فأقام عنده مدّة طويلة، وحمل ابن عمّه بغضه(٤) إيّاه بعد مودّته له وإشفاقه عليه بسبب هجائه له على أن أذاع على تلك المرأة الَّتي تزوّجها عبد السلام أنها تهوى غلاما له، وقرّر ذلك عند جماعة من أهل بيته وجيرانه وإخوانه، وشاع ذلك الخبر حتى أتى عبد السلام، فكتب إلى أحمد بن عليّ شعرا يستأذنه في الرجوع إلى حمص ويعلمه ما بلَّغه من خبر المرأة من قصيدة أوّلها:
  إنّ ريب الزمان طال انتكاثه ... كم رمتني بحادث أحداثه(٥)
  / يقول فيها:
  ظبي إنس قلبي مقيل ضحاه ... وفؤادي بريره وكباثه(٦)
  وفيها يقول:
  خيفة أن يخون عهدي وأن يضحي ... لغيري حجوله ورعاثه(٧)
  ومدح أحمد بعد هذا؛ وهي طويلة. فأذن له فعاد إلى حمص؛ وقدّر(٨) ابن عمّه وقت قدومه، / فأرصد له قوما يعلمونه بموافاته باب حمص. فلمّا وافاه خرج إليه مستقبلا ومعنّفا على تمسّكه بهذه المرأة بعد ما شاع من ذكرها بالفساد، وأشار عليه بطلاقها، وأعلمه أنّها قد أحدثت في مغيبه حادثة لا يجمل به معها المقام عليها، ودسّ الرجل الَّذي رماها به، وقال له: إذا قدم عبد السلام ودخل منزله فقف على بابه كأنّك لم تعلم بقدومه، وناد باسم ورد؛ فإذا قال: من أنت؟ فقل: أنا فلان. فلمّا نزل عبد السلام منزله وألقى ثيابه، سألها عن الخبر وأغلظ عليها، فأجابته جواب من لم يعرف من القصّة شيئا. فبينما هو في ذلك إذ قرع الرجل الباب فقال: من هذا؟ فقال: أنا
(١) الخزامي: نبت زهره أطيب الأزهار نفحة.
(٢) لم تبل: لم تختبر ولم تر. وفي ب، س: «لم تبك» وهو تحريف.
(٣) سلمية: بلبدة بالشام من أعمال حمص.
(٤) في ب، س «على بغضه». بزيادة «على» وهو خطأ.
(٥) انتكاثه: انتقاضه.
(٦) البرير: الأول من ثمر الأراك. والكباث: النضيج منه.
(٧) حجول: جمع حجل (بالفتح والكسر) وهو الخلخال. ورعاث: جمع رعثة كوردة ورقبة، وهي القرط.
(٨) في ب وس «وفر» وهو تحريف.