كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار ديك الجن ونسبه

صفحة 291 - الجزء 14

  فلان. فقال لها عبد السلام: يا زانية، زعمت أنّك لا تعرفين من هذا الأمر شيئا! ثم اخترط سيفه فضربها به حتى قتلها، وقال في ذلك:

  ليتني لم أكن لعطفك نلت ... وإلى ذلك الوصال وصلت

  فالذي منّي اشتملت عليه ... ألعار ما قد عليه اشتملت

  قال ذو الجهل قد حلمت ولا أع ... لم أنّي حلمت حتى جهلت

  لاثم لي بجهله ولماذا ... أنا وحدي أحببت ثم قتلت!

  / سوف آسى طول الحياة وأبكي ... ك على ما فعلت لا ما فعلت

  وقال فيها أيضا:

  لك نفس مواتيه ... والمنايا معاديه⁣(⁣١)

  أيّها القلب لا تعد ... لهوى البيض ثانيه

  ليس برق يكون أخ ... لب من برق غانيه⁣(⁣٢)

  خنت سرّي ولم أخن ... ك فموتي علانيه

  قال: وبلغ السلطان الخبر فطلبه، فخرج إلى دمشق فأقام بها أياما. وكتب أحمد بن عليّ إلى أمير دمشق أن يؤمّنه، وتحمّل عليه بإخوانه حتى يستوهبوا جنايته⁣(⁣٣) فقدم حمص وبلغه الخبر على حقيقته وصحّته، واستيقنه فندم، ومكث شهرا لا يستفيق من البكاء ولا يطعم من الطعام إلا ما يقيم رمقه، وقال في ندمه على قتلها:

  يا طلعة طلع الحمام عليها ... وجنى لها ثمر الرّدى بيديها

  روّيت من دمها الثّرى ولطالما ... روّى الهوى شفتيّ من شفتيها

  قد بات سيفي في مجال وشاحها ... ومدامعي تجري على خدّيها⁣(⁣٤)

  فوحقّ نعليها وما وطئ الحصى ... شيء أعزّ عليّ من نعليها

  ما كان قتليها لأنّي لم أكن ... أبكي إذا سقط الذّباب عليها

  لكن ضننت على العيون بحسنها ... وأنفت من نظر الحسود إليها⁣(⁣٥)

  وهذه الأبيات تروى لغير ديك الجن.

  / أخبرني بها محمّد بن زكريا الصحّاف قال: حدّثنا عبد اللَّه بن أبي سعد قال: حدّثني محمّد بن منصور قال:


(١) مواتية: موافقة مطاوعة.

(٢) أخلب: أخدع، من حلبه كنصره: خدعه؛ ويقال: برق خلب (كسكر): أي مطمع مخلف. والغانية: المرأة الَّتي تطلب ولا تطلب، أو الغنية بحسنها عن الزينة.

(٣) في الأصول: «خيانته» تصحيف.

(٤) الوشاح: أديم عريض يرصع بالجوهر تشده المرأة بين عاتقها وكشحها. وفي «تاريخ ابن عساكر» «في مجال خناقها».

(٥) في «وفيات الأعيان وابن عساكر»:

لكن بخلت على سواي بحبها ... وأنفت من نظر الغلام إليها