أخبار مجنون بني عامر ونسبه
  [قد نسبت هذا الشعر متقدّما(١)] فلما سمع هذين البيتين شهق شهقة عظيمة وأغمي عليه فمكث [كذلك](١) ساعة، ونضحوا الماء على وجهه حتى أفاق، وتمكَّن حبّ كلّ واحد منهما في قلب صاحبه وبلغ منه كل مبلغ.
  حدثني عمّي عن عبد اللَّه بن أبي سعد عن إبراهيم بن محمد بن إسماعيل القرشي قال حدثنا أبو العالية عن أبي ثمامة الجعدي قال:
  لا يعرف فينا مجنون إلا قيس بن الملوّح.
  حديث اتصاله بليلى في صباه
  قال: وحدّثني بعض العشيرة قال: قلت لقيس بن الملوّح قبل أن يخالط: ما أعجب شيء أصابك في وجدك بليلى؟ قال: طرقنا(٢) ذات ليلة أضياف ولم يكن عندنا لهم أدم، فبعثني أبي منزل أبي ليلى وقال لي: اطلب [لنا](١) منه أدما، فأتيته فوقفت على خبائه فصحت به، فقال: ما تشاء؟ / فقلت: طرقنا ضيفان ولا أدم عندنا لهم فأرسلني أبي نطلب(٣) منك أدما، فقال: يا ليلى، أخرجي إليه ذلك النّحي(٤)، فاملئي له إناءه من السمن، فأخرجته ومعي قعب(٥)، فجعلت تصبّ السمن فيه ونتحدّث، فألهانا(٦) الحديث وهي تصبّ السمن وقد امتلأ القعب ولا نعلم جميعا، وهو يسيل استنقعت أرجلنا في السمن، قال: فأتيتهم ليلة ثانية أطلب نارا، وأنا متلفّع ببرد لي، فأخرجت لي نارا في عطبة(٧) فأعطتنيها ووقفنا نتحدّث، فلمّا احترقت العطبة خرقت من بردي خرقة وجعلت النار فيها، فكلما(٨) احترقت خرقت أخرى وأذكيت بها النار حتى لم يبق عليّ من البرد إلا ما وارى عورتي، وما أعقل ما أصنع، وأنشدني:
  أمستقبلي نفح الصّبا ثم شائقي ... ببرد ثنايا أمّ حسّان شائق
  كأنّ على أنيابها الخمر شجّها(٩) ... بماء الندى من آخر الليل عاتق(١٠)
  وما شمته(١١) إلا بعيني تفرّسّا ... كما شيم في أعلى السّحابة بارق
(١) زيادة في ت.
(٢) كذا في ت، ح. وفي سائر النسخ: «طرقتنا» بالتاء وكلاهما جائز لأنّ الفعل مسند إلى جمع تكسير وحذف التاء في مثل هذا أجود.
(٣) كذا في أغلب النسخ. وفي ت: «أطلب».
(٤) النّحي عند العرب: الزقّ الذي يوضع فيه السمن خاصة.
(٥) القعب: القدح الضخم الغليظ، وقيل: قدح من خشب مقعرّ.
(٦) كذا في ت. وفي سائر النسخ: «فألهي بالحديث».
(٧) العطبة: خرقة تؤخذ بها النار، قال الكميت:
نارا من الحرب لا بالمرخ ثقبها ... قدح الأكف ولم تنفخ بها العطب
ويقال: «أجد ريح عطبة» أي قطنة أو خرقة محترقة.
(٨) كذا في ت. وفي باقي النسخ: «فلما احترقت».
(٩) شجها: مزجها.
(١٠) العاتق: البكر التي لم تبن عن أهلها. ويحتمل أن تكون كلمة «عاتق» محرّفة عن «غابق» وهو الساقي في الغبوق أي العشيّ.
(١١) كذا في ت. وفي باقي النسخ: «ذقته» وشمته من الشيم وهو النظر إلى نحو النار والسحاب والبرق. يقال شام السحاب والبرق شيما أي نظر إليه أين يقصد وأين يمطر.