كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار مجنون بني عامر ونسبه

صفحة 347 - الجزء 2

  ابن عقيل يقال له: قيس بن معاذ، وكان يدعى المجنون، وكان صاحب غزل ومجالسة للنساء، فخرج على ناقة له يسير، فمرّ بامرأة من بني عقيل يقال لها: كريمة، وكانت جميلة عاقلة، معها نسوة فعرفنه ودعونه إلى النزول والحديث، وعليه حلَّتان له فاخرتان وطيلسان وقلنسوة، فنزل فظلّ يحدّثهنّ وينشدهنّ وهنّ أعجب شيء به فيما يرى، فلمّا أعجبه ذلك منهنّ عقر لهنّ ناقته، / وقمّن إليها فجعلن يشوين⁣(⁣١) ويأكلن إلى أن أمسى، فأقبل غلام شابّ حسن الوجه من حيّهن فجلس إليهنّ، فأقبلن عليه بوجوههنّ يقلن له: كيف ظللت⁣(⁣٢) يا منازل اليوم؟ فلما رأى ذلك من فعلهنّ غضب، فقام وتركهنّ وهو يقول:

  أأعقر من جرّا كريمة ناقتي ... ووصلي مفروش لوصل منازل

  إذا جاء قعقعن الحليّ ولم أكن ... إذا جئت أرضى صوت تلك الخلاخل⁣(⁣٣)

  قال: فقال له الفتى: هلمّ نتصارع أو نتناضل، فقال له: إن شئت ذلك فقم إلى حيث لا تراهنّ ولا يرينك، ثم ما شئت فافعل، وقال:

  إذا ما انتضلنا في الخلاء نضلته ... وإن يرم رشقا عندها فهو ناضلي⁣(⁣٤)

  وقال ابن الكلبيّ في هذا الخبر: فلما أصبح لبس حلَّته وركب ناقته ومضى متعرّضا لهنّ، فألفى ليلى جالسة بفناء بيتها، وكانت معهنّ يومئذ جالسة، وقد علق بقلبها وهويته، وعندها جويريات يحدّثنها، فوقف بهنّ وسلَّم، فدعونه إلى النزول وقلن له: هل لك في محادثة من لا يشغله عنك منازل ولا غيره؟ قال: إي لعمري، فنزل وفعل فعلته بالأمس، فأرادت أن تعلم هل لها عنده مثل ما له عندها، فجعلت / تعرض عن حديثه ساعة بعد ساعة وتحدّث غيره، وقد كان علق حبّها بقلبه وشغفه⁣(⁣٥) واستملحها، فبينا هي تحدّثه إذ أقبل فتى من الحيّ فدعته فسارّته سرارا طويلا ثم قالت له انصرف، فانصرف، ونظرت إلى وجه المجنون قد تغيّر وامتقع⁣(⁣٦) وشقّ عليه ما فعلت، فأنشأت تقول:

  كلانا مظهر للناس بغضا ... وكل عند صاحبه مكين

  تبلَّغنا العيون مقالتينا ... وفي القلبين ثمّ هوى دفين


= كذلك بالجزء الثالث عشر من «الأغاني» طبع بولاق ص ١٢٢.

(١) كذا في أغلب النسخ. وفي ت: «يشتوين» وكلاهما صحيح.

(٢) في ت: «ظلت» وهي لغة فيها.

(٣) جاء هذا الشطر في «تزيين الأسواق» ص ٦٣ طبع بولاق هكذا:

إذا جئت بل أخفين صوت الخلاخل

وقال في تفسيره: يقول قد أظهرت صوت الحلَّي حين جاء منازل، وهذه كناية عن قيامهن له، ولم يكن ذلك عند مجيئي.

(٤) كذا في ت، ح، و «تزيين الأسواق». وفي باقي النسخ: «ناضل» بغير ياء المتكلم، وآثرنا ما أثبتناه بالأصل لأنه أتم مقابلة لقوله نضلته، ولأن قوله: «نضلته» هكذا بالضمير ظاهر في أنّ الشاعر أتى بهذا البيت في هيئة المتصل بالبيتين السابقين وهذا يستدعي كسر اللام حتى يكون على رويّهما كما تقدّم في صحيفة ١٣ من هذا الجزء.

(٥) في ت: «وشغفته».

(٦) كذا في أغلب النسخ وفي ب، س: «انتقع» وامتقع وانتقع وابتقع بمعنى واحد وهو أن يتغير من حزن أو فزع، قال صاحب «اللسان» في مادة نقع: وامتقع بالميم أجود.