كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار قيس بن عاصم ونسبه

صفحة 303 - الجزء 14

  حلمه وعفوه عن ابن أخيه وقد قتل ابنه

  أخبرني أحمد بن العبّاس العسكري قال حدّثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدّثني دماذ عن أبي عبيدة قال، قال الأحنف:

  / ما تعلَّمت الحلم إلَّا من قيس بن عاصم المنقريّ، فقيل له: وكيف ذلك يا أبا بحر؟ فقال: قتل ابن أخ له ابنا له فأتى بابن أخيه مكتوفا يقاد إليه، فقال: ذعرتم الفتى. ثم أقبل عليه فقال: يا بنيّ، نقصت عددك، وأوهيت⁣(⁣١) ركنك، وفتتّ في عضدك، وأشمتّ عدوّك، وأسأت بقومك. خلَّوا سبيله، واحملوا إلى أم المقتول ديته، قال: فانصرف القاتل وما حلّ قيس حبوته⁣(⁣٢)، ولا تغير وجهه⁣(⁣٣).

  وفود قيس على الرسول #

  أخبرني عبيد اللَّه الرازيّ قال حدّثنا أحمد بن الحارث الخراز عن المدائنيّ عن ابن جعدبة وأبي اليقظان قالا:

  وقد قيس بن عاصم على رسول اللَّه ، فقال النبيّ عليه الصلاة والسّلام: «هذا سيّد أهل الوبر».

  قصته مع تاجر خمار

  أخبرني محمّد بن الحسن بن دريد قال حدّثنا أبو حاتم عن أبي حاتم قال:

  جاور داريّ⁣(⁣٤) كان يتّجر في أرض العرب قيس بن عاصم، فشرب قيس ليلة حتى سكر، فربط الداريّ وأخذ ماله، وشرب من شرابه فازداد سكرا، وجعل من السكر يتطاول ويثاور⁣(⁣٥) النجوم ليبلغها وليتناول القمر، وقال:

  وتاجر فاجر جاء الإله به ... كأن عثنونه أذناب أجمال⁣(⁣٦)

  ثم قسم صدقة النبيّ في قومه وقال:


(١) وهي الحائط: ضعف وهم بالسقوط، وأوهاه هو. فت في عضده: أضعفه.

(٢) احتبى: جمع بين ظهره وساقيه بعمامة ونحوها، والاسم الحبوة (يفتح ويضم).

(٣) الخبر في «أمالي السيد المرتضى» ١: ٧٦. وجاء في «مجمع الأمثال للميداني» ١: ١٤٨ و «العقد الفريد» ١: ١٧٧ «قيل للأحنف بن قيس: ممن تعلمت الحلم؟ قال: من قيس بن عاصم المنقري، حضرته يوما قاعدا بفناء داره، محتبيا بحمائل سيفه يحدّثنا، إذ جاؤوا بابن له قتيل وابن عم له كتيف، فقالوا: هذا ابن أخيك قتل ابنك، فو اللَّه ما حل حبوته ولا قطع كلامه، حتى إذا فرغ من الحديث التفت إلى ابن أخيه وقال له: يا بن أخي، أثمت بربك، ورميت نفسك بسهمك، وقتلت ابن عمك. ثم قال لابن له آخر: يا بني قم إلى ابن عمك فأطلقه، وإلى أخيك فادفنه، وإلى أم القتيل فأعطها مائة ناقة دية ابنها فإنها غريبة لعلها تسلو عنه، ثم أنشأ يقول:

إني امرؤ لا يتعري خلقي ... دنس يهجّنه ولا أفن

من منقر من بيت مكرمة ... والغصن ينبت حوله الغصن

خطباء حين يقوم قائلهم ... بيض الوجوه مصانع لسن

لا يفطنون لعيب جارهم ... وهم لحفظ جواره فطن

(٤) داريّ: من الداريين، وهم بنو الدار بن هانئ بن حبيب بن نمارة بن لخم بن عدي، ينتهي نسبهم إلى كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.

(٥) ثاوره مثاورة وثوارا: واثبه.

(٦) العثنون من اللحية: ما نبت على الذقن وتحته سفلا. وأجمال: جمع جمل. جاء في «الكامل» للمبرد ١: ٢٨٠ «قال ذلك لأن ذنب البعير يضرب إلى الصهبة وفيه استواء وهو يشبه اللحية».