أخبار قيس بن عاصم ونسبه
  وإنّي لعبد الضّيف من غير ذلَّة ... وما بي إلَّا تلك من شيم العبد(١)
  قال: فأرسلت جارية لها مليحة فطلبت له أكيلا، وأنشأت تقول له:
  /
  أبى المرء قيس أن يذوق طعامه ... بغير أكيل إنّه لكريم
  فبوركت حيّا يا أخا الجود والنّدى ... وبوركت ميتا قد حوتك رجوم(٢)
  أبيات للعبّاس بن مرداس يمدح فيها قيسا ويهجو جوينا الطائي
  أخبرني هاشم بن محمّد الخزاعيّ قال حدّثنا دماذ عن أبي عبيدة قال:
  جاور رجل من بني القين من قضاعة قيس بن عاصم، فأحسن جواره ولم ير منه إلَّا خيرا حتى فارقه، ثم نزل عند جوين الطائيّ أبي عامر بن جوين، فوثب عليه رجال من طيئ فقتلوه وأخذوا ماله، فقال العبّاس بن مرداس يهجوهم ويمدح قيسا:
  لعمري لقد أوفى الجواد ابن عاصم ... وأحصن جارا يوم يحدج بكره(٣).
  أقام عزيزا منتدى القوم عنده ... فلم ير سوءات ولم يخش غدره(٤)
  / أقام بسعد يشرب الماء آمنا ... ويأكل وسطاها ويربض حجره(٥)
  فإنّك إذ بادلت قيس بن عاصم ... جوينا لمختار المنازل شرّه(٦)
  فأصبح يحدو رحله بمفازة ... وماذا عدا جارا كريما وأسره(٧)
  يظلّ بأرض الغدر يأكل عهده ... جوين وشمخ خاربين بوجره(٨)
  يذمّان بالأزواد والزاد محرم ... سروقان من عرق شرورا وفجره(٩)
(١) وردت هذه الأبيات في «الكامل» للمبرد ١: ٢٧٩ ببعض تغيير في الرواية وكذا في «أشعار الحماسة» ج ٢: ٢٤٤ فانظرها هناك.
(٢) رجوم: تعني حجارة القبر. والَّذي في كتب اللغة: «الرجمة بالضم والفتح: القبر، والجمع رجام، ككتاب، وهو الرجم، كسبب، والجمع أرجام، والرجم والرجام: الحجارة المجموعة على القبر، والرجم، كشمس: اسم لما يرجم به الشيء المرجوم والجمع رجوم» وليس فيها «رجوم» بمعنى حجارة القبر.
(٣) في الأصول: «وأحسن جدا» وهو تحريف، وأحصنه: منعه وحفظه. وحدج البعير كضرب: شدّ عليه الحدج والأداة ووسقه.
والحدج: الحمل، وزنا ومعنى. والبكر: الفتى من الإبل.
(٤) المنتدى: مجلس القوم ومتحدثهم. وغدره: يجوز أن يكون بالتاء وبالهاء.
(٥) بسعد: أي ببني سعد وهم قوم قيس بن عاصم. ويأكل وسطاها، من أمثال العرب: «يرتعي وسطا ويربض حجرة» والوسط من المرعى: خياره، أي يرتعي أوسط المرعى وخياره ما دام القوم في خير، فإذا أصابهم شر اعتزلهم. وربض حجرة أي ناحية. انظر «لسان العرب» (وسط وحجر). ويروى هذا المثل أيضا: «يأكل خضرة ويربض حجرة» أي يأكل من الروضة ويربض ناحية. انظر «مجمع الأمثال» للميداني ٢: ١٥٠ - وقد ضمن الشاعر البيت المثل فقال: ويأكل وسطاها أي وسطي مآكلها، ووسطي مؤنث أوسط، وأوسط الشيء ووسطه (بالتحريك): أعدله وخياره، أي يأكل خير مآكلها وأطيبها.
(٦) شرة: مفعول مختار، وشرة وشرى أيضا كفضلى مؤنث شر.
(٧) حدا البعير: ساقه، والمفازة: الفلاة لا ماء بها. وأسرة الرجل: عشيرته ورهطه الأدنون لأنه يتقوى بهم.
(٨) يأكل عهده: يريد «ينكث» من قولهم أكل فلان عمره: أفناه. وشمخ: اسم رجل. والخارب: اللص، وجرة: اسم موضع.
(٩) أذم به: تهاون، والأزواد جمع زاد. المحرم: الحرمة الَّتي لا يحل انتهاكها، والعرق: الأصل. والفجرة: الفجور، ويقال: حلف فلان على فجرة، واشتمل على فجرة: إذا ركب أمرا قبيحا من يمين كاذبة أو زنا أو كذب، وفي س «من مرق سروق وفخره» وفي ب، ح «من عرق سرق وفخرة» وهو تحريف.