أخبار قيس بن عاصم ونسبه
  إمساكه لضيف إن طرقني، وعيال إن كثروا عليّ؟ فقال: «نعم المال(١) الأربعون، والأكثر الستّون، وويل لأصحاب المئين - ثلاثا - إلا من أعطى من رسلها(٢) وأطرق(٣) فحلها، وأفقر ظهرها(٤)، ومنح غزيرتها(٥)، وأطعم القانع والمعترّ»(٦). فقلت له: يا رسول اللَّه، ما أكرم هذه الأخلاق! إنه لا يحلّ بالوادي الَّذي أنا فيه من كثرتها. قال:
  «فكيف تصنع في الإطراق؟» قلت: يغدو الناس، فمن شاء أن يأخذ برأس بعير ذهب به، قال: «فكيف تصنع في الإفقار؟» فقلت إنّي لأفقر الناب(٧) المدبرة والضّرع(٨) الصغيرة. قال: «فكيف تصنع في المنيحة؟»(٩) قلت: إني لأمنح في السّنة المائة. قال: «إنما لك من مالك ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدّقت فأبقيت».
  خبره مع الحوفزان
  أخبرني هاشم بن محمّد الخزاعيّ حدّثنا أبو غسّان دماذ عن أبي عبيدة قال:
  قيس بن عاصم هو الَّذي حفز الحوفزان بن شريك الشّيباني، طعنه في استه في يوم جدود(١٠).
  وكان من حديث ذلك اليوم أنّ الحارث بن شريك بن عمرو الصّلب بن قيس بن شراحيل بن مرّة بن همّام كانت بينه وبين بني يربوع موادعة، ثم همّ بالغدر بهم، فجمع بني شيبان(١١) وبني ذهل واللَّهازم: قيس بن ثعلبة وتيم اللَّه بن ثعلبة وغيرهم، ثم غزا بني يربوع، فنذر(١٢) به عتيبة بن الحارث بن شهاب بن شريك، فنادى في قومه بني جعفر بن ثعلبة من بني يربوع(١٣) فوادعه. وأغار الحارث بن شريك على بني مقاعس وإخوتهم بني ربيع فلم يجيبوهم(١٤)، فاستصرخوا بني منقر فركبوا حتّى / لحقوا بالحارث بن شريك وبكر بن وائل وهم
(١) أكثر ما يطلق المال عند العرب على الإبل؛ لأنها كانت أكثر أموالهم.
(٢) الرسل: اللبن.
(٣) أطرقه فحله: أعاره إياه ليضرب في إبله.
(٤) الظهر: الإبل الَّتي يحمل عليها ويركب. وأفقره بعيره: أعاره إياه يركب ظهره في سفر أو يحمل عليه ثم يرده.
(٥) منح غزيرتها: أعطاها من يحلبها ويردّها.
(٦) القانع هنا: الَّذي يسأل، والمعتر: المتعرض للمعروف من غير أن يسأل.
(٧) الناب: الناقة المسنة. والمدبرة: الهرمة، الَّتي هرمت فأدبر خيرها.
(٨) الضرع: الصغير من كل شيء، أو الصغير السن الضعيف الضاوي النحيف. وككتف: الضعيف.
(٩) في ب، س: «المليحة» وهو تحريف.
(١٠) جدود: اسم موضع في أرض بني تميم قريب من حزن بني يربوع على سمت اليمامة، فيه الماء الذي يقال له الكلاب، وكان فيه وقعتان مشهورتان عظيمتان من أعرف أيام العرب. اقرأ حديث يوم جدود أيضا في «العقد الفريد» (٣: ٧٢).
(١١) شيبان: حي من بكر بن وائل، وهما شيبانان: أحدهما شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل، والآخر شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة. واللهازم، هم قيس بن ثعلبة بن عكابة، وتيم اللَّه - أو تيم اللات - بن ثعلبة بن عكابة، وعجل بن لجيم، وعنزة بن أسد بن ربيعة - انظر «العقد الفريد» (٣: ٦٨)، و «لسان العرب». وفي الأصول «واللهازم وقيس بن ثعلبة» بزيادة الواو وهو خطأ.
(١٢) نذر به كفرح: علمه فحذره. وفي ب، س «عتبة بن الحارث».
(١٣) وذلك أن الحوفزان لما انتهى إلى جدود منعتهم بنو يربوع أن يردوا الماء - ورئيسهم عتيبة بن الحارث بن شهاب - فقاتلوهم، فلم يكن لبني بكر بهم يد، فصالحوهم على أن يعطوا بني يربوع بعض غنائمهم، وعلى أن يخلوهم يردون الماء، فقبلوا ذلك وأجازوهم، فبلغ ذلك بني سعد، فقال قيس بن عاصم في ذلك: جزى اللَّه يربوعا ... الأبيات الآتية (انظر «العقد الفريد» «يوم جدود»).
(١٤) كذا في الأصل، والظاهر أن في الكلام نقصا. وبنو ربيع (كزبير) هم بنو ربيع بن الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة، وجاء في «النقائض» ص ١٤٥ طبع أوربة (بعد أن أورد خبر موادعته بني يربوع): «فمضى إلى بني سعد فأغار على ربيع بن الحارث =