كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار قيس بن الحدادية ونسبه

صفحة 356 - الجزء 14

  سعى بينهم واش بأفلاق برمة ... لتفجع بالأظعان من هو جازع⁣(⁣١)

  بكت من حديث بثّه وأشاعه ... ورصّفه واش من القوم راصع⁣(⁣٢)

  / بكت عين من أبكاك لا يعرف البكا ... ولا تتخالجك الأمور النوازع⁣(⁣٣)

  فلا يسمعن سرّي وسرّك ثالث ... ألا كلّ سرّ جاوز اثنين شائع

  وكيف يشيع السرّ منّي ودونه ... حجاب ومن دون الحجاب الأضالع!

  وحبّ لهذا الرّبع يمضي أمامه ... قليل القلى منه جليل ورادع⁣(⁣٤)

  لهوت به حتى إذا خفت أهله ... وبيّن منه للحبيب المخادع

  نزعت فما سرّي لأوّل سائل ... وذو السر ما لم يحفظ السرّ ماذع⁣(⁣٥)

  وقد يحمد اللَّه العزاء من الفتى ... وقد يجمع الأمر الشتيت الجوامع

  ألا قد يسلَّى ذو الهوى عن حبيبه ... فيسلى، وقد تردي المطيّ المطامع

  / وما راعني إلَّا المنادى ألا اظعنوا ... وإلا الرواغي غدوة والقعاقع⁣(⁣٦)

  فجئت كأني مستضيف وسائل ... لأخبرها كلّ الَّذي أنا صانع

  فقالت: تزحزح ما بنا كبر حاجة ... إليك ولا منّا لفقرك راقع

  فما زلت تحت السّتر حتى كأنني ... من الحرّ ذو طمرين في البحر كارع⁣(⁣٧)

  فهزّت إليّ الرأس مني تعجّبا ... وعضّض مما قد فعلت الأصابع

  فأيّهما ما أتبعنّ فإنني ... حزين على إثر الَّذي أنا وادع⁣(⁣٨)


(١) برمة: عرض من أعراض المدينة قرب «بلاكث» بين خيبر ووادي القرى، وهي عيون ونخل لقريش. وأفلاق جمع فلق كسبب، وهو المطمئن من الأرض بين ربوتين، وقد ورد جمعه في كتب اللغة على فلقان بالضم، وفي الأصول «لتفجع» وهو تصحيف.

(٢) بث الخبر: نشره، ورصف الشيء كقتل: ضم بعضه إلى بعضه ونظمه (وقد ضعف الفعل هنا) ورصعه بالرمح: طعنه طعنا شديدا غيب السنان كله فيه، ورصع الشيء: عقده عقدا مثلثا متداخلا كمعقد التميمة ونحوها.

(٣) تقدم هذا البيت في أبيات الصوت، وصدره: «بكت عين من أبكاك ليس لك البكا» وروى هنا في الأصول «بكت عين من أبكاك، لا يعرف البكا» ولعل صوابه «لا يعدم البكا» أي لازمه وصاحبه، وهي جملة دعائية ثانية، دعا على الواشي في الجملة الأولى بأن تبكي عينه، وفي الثانية بأن يلازمه البكاء.

(٤) الربع: المنزل. في الأصول «قليل» مكان «جليل»، ولعل الصواب ما أثبتنا.

(٥) في ج «وادع» وفي ب وس «وازع» وأرى صوابه «ماذع» جاء في كتب اللغة: المذاع كشداد: من لا وفاء له ولا يحفظ أحدا بالغيب ومن لا يكتم السر.

(٦) رغت الناقة رغاء: صوتت فهي راغية والجمع الرواغي، وفي الأصول «الرواعي» وهو تصحيف، والقعاقع: تتابع أصوات الرعد في شدة، جمع قعقعة، والمراد هنا أصوات تقويض الأخبية وما إلى ذلك تأهبا للرحيل. وقد قالوا: قعقعت عمدهم وتقعقعت، أي ارتحلوا، أو هو «القعاقع» بالضم، رجل قعاقع: كثير الصوت.

(٧) الطمر: الثوب الخلق. كرع في الماء كمنع وسمع: تناوله بفيه من موضعه من غير أن يشرب بكفيه ولا بإناء، وكل خائض ماء كارع، شرب أو لم يشرب.

(٨) يستشهد بهذا البيت على استعمال وادع بمعنى تارك، اسم فاعل من ودع بمعنى ترك، ورد في «لسان العرب»: «ولا يقولون ودعتك ولا وذرتك استغنوا عنهما بتركتك والمصدر فيهما تركا، ولا يقال ودعا ولا وذرا وحكاهما بعضهم، ولا وادع، وقد جاء في بيت =