أخبار قيس بن الحدادية ونسبه
  وظنّي بها حفظ لغيبي، ورعية ... لما استرعيت، والظن بالغيب واسع(١)
  وقلت لها في السرّ بيني وبينها ... على عجل: أيّان من سار راجع؟
  فقالت: لقاء بعد حول وحجّة ... وشحط النوى إلا لذي العهد قاطع(٢)
  وقد يلقى بعد الشّتات أولو النّوى ... ويسترجع الحيّ السحاب اللوامع(٣)
  وما إن خذول نازعت حبل حابل ... لتنجو إلا استسلمت وهي ظالع(٤)
  / بأحسن منها ذات يوم لقيتها ... لها نظر نحوي كذي البتّ خاشع(٥)
  رأيت لها نارا تشب، ودونها ... طويل القرا من رأس ذروة فارع(٦)
  فقلت لأصحابي: اصطلوا النار إنها ... قريب، فقالوا: بل مكانك نافع(٧)
  فيا لك من حاد حبوت مقيّدا ... وأنحى على عرنين أنفك جادع(٨)
  أغيظا أرادت أن تخبّ حمالها ... لتفجع بالإظعان من أنت فاجع(٩)
  فما نطفة بالطَّود أو بضريّة ... بقية سيل أحرزتها الوقائع(١٠)
  يطيف بها حرّان صاد ولا يرى ... إليها سبيلا غير أن سيطالع(١١)
  بأطيب من فيها إذا جئت طارقا ... من الليل واخضلَّت عليك المضاجع(١٢)
  / وحسبك من نأي ثلاثة أشهر ... ومن حزن أن زاد شوقك رابع
(١) في الأصول «حفظ بعيني» وهو تحريف، والرعية: اسم من الرعاية.
(٢) الحجة: السنة. والشحط: البعد.
(٣) النوى: البعد. يسترجع الحي، أي يرجعهم ويردّهم.
(٤) الخذول من الظباء والبقر: الَّتي تخذل صواحباتها وتتخلف عن القطيع وتنفرد مع ولدها؛ ويقال هو مقلوب لأنها هي المتروكة. ظلع كمنع: غمز في مشيه.
(٥) البث: أشد الحزن. وفي ج «نجوى كذا الثب خاسع» وهو تحريف.
(٦) تشب: توقد. القرا: الظهر. ذروة: اسم جبل. الفارع: العالي.
(٧) اصطلوا النار: يريد جدوا في السير لنصطلي النار إنها قريب، يستوي فيه المذكر والمؤنث والواحد والجمع، أو تأويله: في مكان قريب.
(٨) في الأصول «فمالك» ولعله محرف. وأنحى: في الأصول «والحى» وهو تحريف. والمعنى: فقالوا عجبا لك! إنك تسير سيرا بطيئا كحبو الصبي مقيدا، وقد جدع عرنين أنفك أي ليس لديك العدة الكافية للحاق بها فكيف تدركها؟ أو لعله يدعو عليّ فأمد القافلة بالأسر وجدع الأنف لأنه لم يلب طلبته.
(٩) في ج «أغيظي» وفي ب، س «أعيظا» وهو تصحيف، خبت: أسرعت، وقد أخبها صاحبها. ظعن كمنع: سار، وأظعنه إظعانا:
سيره. من أنت فاجع: أي أصحابك، والمعنى: أأرادت أن تخب جمالها غيظا لك فيحملك ذلك على أن تشق على أصحابك وتجهدهم في السير، ويصح أن يكون «بالأظعان» بفتح الهمزة، جمع ظعينة: وهي المرأة ما دامت في الهودج، أي لتفجع أصحابك بهذه الظعائن المرتحلة - وفيهن محبوبته نعم - فتكدهم في السير لإدراكها.
(١٠) النطفة: الماء الصافي قل أو كثر، والجمع نطاف. والطود: الجبل. وضريّة: بئر، وفي الأصول «صرية» وهو تصحيف، والوقائع جمع وقيعة، وهي النقرة في الجبل يستنقع فيها الماء.
(١١) أطاف به: ألم به وقاربه. حران صاد: عطشان. طالعه: اطلع عليه أي أشرف.
(١٢) الطارق: الآتي ليلا. أخضلت: نديت.