كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار علي بن الخليل

صفحة 372 - الجزء 14

  الذّهلي عن أبيه قال: قال لي محمّد بن الحهم البرمكي: قال لي المأمون يوما: يا محمّد: أنشدني بيتا من المديح جيّدا فاخرا عربيا لمحدث حتى أولَّيك كورة تختارها. قال قلت: قول علي بن الخليل:

  فمع السماء فروع نبعتهم ... ومع الحضيض منابت الغرس⁣(⁣١)

  متهلَّلين على أسرّتهم ... ولدى الهياج مصاعب شمس⁣(⁣٢)

  / فقال: أحسنت، وقد ولَّيتك الدّينور، فأنشدني بيت هجاء على هذه الصفة حتى أولَّيك كورة أخرى، فقلت: قول الَّذي يقول:

  قبحت مناظرهم فحين خبرتهم ... حسنت مناظرهم لقبح المخبر⁣(⁣٣)

  فقال: قد أحسنت، قد ولَّيتك همذان، فأنشدني مرثية على هذا حتى أزيدك كورة أخرى، فقلت: قول الَّذي يقول:

  أرادوا ليخفوا قبره عن عدوّه ... فطيب تراب القبر دل على القبر

  فقال: قد أحسنت، قد ولَّيتك نهاوند، فأنشدني بيتا من الغزل على هذا الشرط حتى أولَّيك كورة أخرى، فقلت: قول الَّذي يقول:

  تعالي نجدّد دارس العلم⁣(⁣٤) بيننا ... كلانا على طول الجفاء ملوم

  فقال: قد أحسنت، قد جعلت الخيار إليك فاختر، فاخترت السّوس من كور الأهواز، فولاني ذلك أجمع، ووجّهت إلى السوس بعض أهلي.

  أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال: حدّثنا محمّد بن يزيد، عن التّوّزيّ قال: نزل أبو دلامة بدهقان⁣(⁣٥) يكنى أبا بشر، فسقاه شرابا أعجبه، فقال في ذلك:

  سقاني أبو بشر من الراح شربة ... لها لذّة ما ذقتا لشراب

  وما طبخوها غير أنّ غلامهم ... سعى في نواحي كرمها بشهاب⁣(⁣٦)

  قال: فأنشد علي بن الخليل هذين البيتين فقال: أحرقه العبد أحرقه اللَّه.

  تهنئة يزيد بن مزيد بمولوده

  أخبرني الحسن بن علي، وعمي الحسن بن محمّد، قالا: حدّثنا ابن مهرويه قال: حدّثني محمّد بن عمران


(١) النبعة: واحدة النبع، وهو شجر للقسي والسهام. والحضيض: القرار في الأرض.

(٢) تهلل الوجه: تلألأ. ومصاعب: جمع مصعب (بضم الميم وفتح العين)، وهو الفحل الَّذي لم يمسسه حبل ولم يركب. ورجل مصعب: مسوّد. وشمس: جمع شموس كصبور من شمس الفرس: إذا منع ظهره. «ومتهللين» و «مصاعب شمس» نعوت لعترة في قوله «من عترة طابت أرومتهم». والبيتان من قصيدته السينية السابقة، وقد ورد البيت الأول ضمن أبياتها في «أمالي المرتضى»، وأوله: «فوق النجوم».

(٣) هذا البيت والَّذي يليه لمسلم بن الوليد الأنصاري.

(٤) كذا في الأصول: ولعله «الوصل» أو «العهد» كما يرشد إليه ما يأتي بعد من قوله: «على طول الجفاء».

(٥) الدهقان: رئيس الإقليم، فارسيّ معرّب.

(٦) الشهاب: شعلة من نار ساطعة، شبه به الخمر.