أخبار عثعث
١٦ - أخبار عثعث
  نسبه
  كان عثعث أسود مملوكا لمحمّد بن يحيى بن معاذ، ظهر له منه طبع وحسن أخذ وأداء، فعلَّمه الغناء، وخرّجه وأدّبه، فبرع في صناعته، ويكنى أبا دليجة وكان مأبونا؛ واللَّه أعلم.
  أخبرني بذلك محمّد بن العبّاس اليزيديّ عن ميمون بن هارون قال: حدّثني عثعث الأسود، قال: مخارق كناني بأبي دليجة، وكان السبب في ذلك أن أوّل صوت سمعني أغنّيه:
  أبا دليجة من توصي بأرملة ... أم من لأشعث ذي طمرين ممحال(١)
  فقال لي: أحسنت يا أبا دليجة، فقبلتها وقبّلت يده، وقلت: أنا يا سيّدي أبا المهنّا؛ أتشرّف بهذه الكنية إذا كانت نحلة(٢) منك. قال ميمون: وكان مخارق يشتهي غناءه ويحزنه إذا سمعه.
  ما وقع له في مجلس غناء
  قال أبو الفرج: نسخت من كتاب عليّ بن محمّد بن نصر بخطَّه، حدّثني يعني ابن حمدون قال: كنا يوما مجتمعين في منزل أبي عيسى بن المتوكَّل، وقد عزمنا على الصّبوح ومعنا جعفر بن المأمون، وسليمان بن وهب، وإبراهيم بن المدبّر، وحضرت عريب وشارية وجواريّهما، ونحن في أتم سرور،. فغنّت بدعة جارية عريب:
  أعاذلتي أكثرت جهلا من العذل ... على غير شيء من ملامي وفي عذلي
  / والصنعة لعريب؛ وغنّت عرفان:
  إذا رام قلبي هجرها حال دونه ... شفيعان من قلبي لها جدلان
  والغناء لشارية، وكان أهل الظَّرف والمتعانون(٣) في ذلك الوقت صنفين: عريبيّة وشاريّة(٤)، / فمال كل حزب إلى من يتعصب له منهما من الاستحسان والطرب والاقتراح، وعريب وشارية ساكتتان لا تنطقان، وكل واحدة من جواريهما تغنّي صنعة ستّها لا تتجاوزها، حتى غنّت عرفان:
  بأبي من زارني في منامي ... فدنا منّي وفيه نفار
  فأحسنت ما شاءت، وشربنا جميعا، فلما أمسكت قالت عريب لشارية: يا أختي لمن هذا اللَّحن؟ قالت: لي، كنت صنعته في حياة سيّدي، تعني إبراهيم بن المهديّ، وغنّيته إياه فاستحسنه، وعرضه على إسحاق وغيره فاستحسنوه،
(١) البيت لأوس. وفي ب «أم لأشعث»، وفي س «لم توصى أم لأشعث» وفيه تحريف وسقط، والتصويب عن ج. والأشعث: المغبر، الرأس. والطمر: الثوب الخلق. ممحال: من المحل، وهو الجدب.
(٢) النحلة: العطية.
(٣) في ج: «والمتعاينون»، وهو تحريف.
(٤) في الأصول: «وشروية»، وهو تحريف.