كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار عبد الله بن الزبير ونسبه

صفحة 408 - الجزء 14

  لعمري لقد لفّ اليهوديّ ثوبه ... على غدرة شنعاء باق نشيدها⁣(⁣١)

  فلو كان من قحطان أسماء شمّرت ... كتائب من قحطان صعر خدودها⁣(⁣٢)

  / ففي رجب أو غرّة الشهر بعده ... تزوركم حمر المنايا وسودها

  ثمانون ألفا دين عثمان دينهم ... كتائب فيها جبرئيل يقودها

  فمن عاش منكم عاش عبدا ومن يمت ... ففي النار سقياه هناك صديدها

  / وقال ابن مهرويه: أخبرني به الحسن بن علي عنه، حدّثني عبد اللَّه بن أبي سعد قال: حدّثني علي بن الصباح عن ابن الكلبي: أن مصعب بن الزبير لما ولي العراق لأخيه هرب أسماء بن خارجة إلى الشام، وبها يومئذ عبد الملك بن مروان قد ولي الخلافة، وقتل عمرو⁣(⁣٣) بن سعيد، وكان أسماء أمويّ الهوى، فهدم مصعب بن الزبير داره وحرقها، فقال عبد اللَّه بن الزّبير في ذلك:

  تأوّب عين ابن الزّبير سهودها

  وذكر القصيدة بأسرها، وهذا الخبر أصح عندي من الأوّل، لأن الحسن بن علي حدّثني قال: حدّثنا أحمد بن سعيد الدمشقي قال: حدّثنا الزبير بن بكَّار قال: حدّثني عمي مصعب قال: لما ولي مصعب بن الزبير العراق، دخل إليه عبد اللَّه بن الزّبير الأسدي، فقال له: إيه يا بن الزبير، أنت القائل:

  إلى رجب السبعين أو ذاك قبله ... تصبّحكم حمر المنايا وسودها⁣(⁣٤)

  ثمانون ألفا نصر مروان دينهم ... كتائب فيها جبرئيل يقودها

  / فقال: أنا القائل لذلك، وإن الحقين ليأبى العذرة⁣(⁣٥)، ولو قدرت على جحده لجحدته، فاصنع ما أنت صانع؛ فقال: أما إني ما أصنع بك إلَّا خيرا، أحسن إليك قوم فأحببتهم⁣(⁣٦) وواليتهم ومدحتهم، ثم أمر له بجائزة وكسوة،


(١) النشيد: الصوت.

(٢) صعر خدودها، أي قد أمالت خدودها كبرا. وفي ب، ج «صغر» وهو تحريف.

(٣) هو عمرو والأشدق بن سعيد بن العاص، وذلك أنه لما كانت الفتنة بعد موت معاوية الثاني، وانحاز الضحاك بن قيس الفهري عن مروان بن الحكم واستمال الناس ودعا إلى ابن الزبير، التقى مروان وعمرو بن سعيد فقال عمرو لمروان: هل لك فيما أقوله لك، فهو خير لي ولك؟ قال: وما هو؟ قال: أدعو الناس إليك وآخذها لك على أن تكون لي من بعدك، فقال مروان: لا بل بعد خالد بن يزيد بن معاوية، فرضي الأشدق بذلك، ودعا الناس إلى بيعة مروان فأجابوا، وبايع مروان بعده لخالد بن يزيد، ولعمرو بن سعيد بعد خالد، ثم مات مروان وخلفه ابنه عبد الملك، ولما اعتزم عبد الملك أن يخرج إلى العراق لقتال مصعب بن الزبير بنفسه قال له عمرو: إنك تخرج إلى العراق وقد كان أبوك وعدني هذا الأمر من بعده، وعلى ذلك جاهدت معه، وقد كان من بلائي معه ما لم يخف عليك، فاجعل لي هذا الأمر من بعدك، فلم يجبه عبد الملك إلى شيء، فلما كان من دمشق على ثلاث مراحل أغلق عمرو بن سعيد دمشق وخالف عليه، فرجع إلى دمشق وحاصرها حتى صالح عمرا على أنه الخليفة بعده ففتح له، ثم إن عبد الملك احتال له حتى قتله سنة ٦٩ هـ.

(٤) إلى رجب السبعين، أي إلى رجب السنة السبعين.

(٥) في س «وإن الحقير ليأبى الغدرة» وفي ب «وإن الحمير ليأبى الغدرة» وهو تحريف. ومن أمثال العرب: أبى الحقين العذرة، والحقين: المحقون أي المحبوس. والعذرة: العذر، وأصله أن رجلا ضاف قوما فاستسقاهم لبنا، وعندهم لبن قد حقنوه (حبسوه) في وطب، فاعتلوا عليه واعتذروا فقال: أبى الحقين العذرة، أي قبول العذر، أي أن هذا اللبن الحقين يكذبكم، يضرب مثلا للرجل يعتذر ولا عذر له.

(٦) في ط «فاجتبتهم».