أخبار عبد الله بن الزبير ونسبه
  أأن تلف المال التّلاد بحقّه ... تشمّس ليلى عن كلامي وتقطب(١)
  / عشية قالت والركاب مناخة ... بأكوارها مشدودة: أين تذهب؟(٢)
  أفي كل مصر نازح لك حاجة ... كذلك ما أمر الفتى المتشعّب(٣)
  فو اللَّه ما زالت تلبّث ناقتي ... وتقسم حتى كادت الشمس تغرب(٤)
  دعيني ما للموت عني دافع ... ولا للذي ولَّى من العيش مطلب
  إليك عبيد اللَّه تهوي ركابنا ... تعسّف مجهول الفلاة وتدأب(٥)
  وقد ضمرت حتّى كأنّ عيونها ... نطاف فلاة ماؤها متصبّب(٦)
  فقلت لها: لا تشتكي الأين إنه ... أمامك قرم من أمية مصعب(٧)
  إذا ذكروا فضل امرئ كان قبله ... ففضل عبيد اللَّه أثرى وأطيب(٨)
  وأنك لو يشفي بك القرح لم يعد ... وأنت على الأعداء ناب ومخلب(٩)
  تصافى عبيد اللَّه والمجد صفوة ال ... حليفين ما أرسى ثبير ويثرب(١٠)
  وأنت إلى الخيرات أوّل سابق ... فأبشر، فقد أدركت ما كنت تطلب
  / أعنّي بسجل من سجالك نافع ... ففي كل يوم قد سرى لك محلب(١١)
  فإنك لو إيّاي تطلب حاجة ... جرى لك أهل في المقال ومرحب(١٢)
  قال: فقال له عبيد اللَّه - وقد ضحك من هذا البيت الأخير -: فإني لا أطلب إليك حاجة، كم السّجل الَّذي يرويك؟
  قال: نوالك أيها الأمير يكفيني، فأمر له بعشرة آلاف درهم.
  شعره في صديقه
(١) التلاد: المال القديم. تشمس: تتشمس، أي تنفر وتعرض، من شمس الفرس، أي شرد، ومنه المتشمس، وهو الشديد القوي الَّذي يمنع ما وراء ظهره؛ والبخيل الَّذي لا ينال منه خير. قطب كضرب: زوى ما بين عينيه وعبس وكلح.
(٢) الأكوار: جمع كور بالضم، وهو الرجل بأداته.
(٣) نازح: بعيد. المتشعب: المتفرق. و «ما» زائدة.
(٤) في ج «وأقسم».
(٥) هوي كرمي: أسرع في السير. تعسف، أي تتعسف؛ تعسف الطريق: سار فيه على غير هداية. والفلاة: الصحراء. تدأب: تجدّ وتتعب.
(٦) نطاف: جمع نطفة بالضم، وهي الماء الصافي قل أو كثر.
(٧) الأين: الإعياء. القرم من الرجال: السيد المعظم، وأصله الفحل الَّذي يترك من الركوب والعمل ويودع للفحلة. ورجل مصعب:
مسوّد، وأصله بمعنى القرم، أي الفحل الَّذي لم يمسسه حبل ولم يركب.
(٨) أثرى: أفعل، من الثروة، أي أكثر.
(٩) القرح بالفتح وبضم: عض السلاح ونحوه مما يخرج بالبدن، أو بالفتح: الآثار، وبالضم: الألم؛ أراد به ما ينوبه من صروف الدهر.
(١٠) رسا وأرسى: ثبت. ثبير: جبل بظاهر مكة. يثرب: مدينة الرسول ﷺ.
(١١) السجل: الدلو العظيمة مملوءة.
(١٢) لو إياي، أي لو إياي تقصد، جرى لك ... أي لقلت لك أهلا وسهلا ومرحبا. وقوله: «المقال»، ساقط من مط.