أخبار عبد الله بن الزبير ونسبه
  قال ابن الأعرابي: كان نعيم بن دجانة بن شدّاد بن حذيفة بن بكر بن قيس بن منقذ بن طريف صديقا لعبيد اللَّه بن الزّبير، ثم تغيّر عليه، وبلغه عنه قول قبيح فقال في ذلك:
  ألا طرقت رويمة بعد هدء ... تخطَّى هول أنمار وأسد(١)
  تجوس رحالنا حتى أتتنا ... طروقا بين أعراب وجند(٢)
  فقالت: ما فعلت أبا كثير ... أصحّ الودّ أم أخلفت عهدي؟
  كأنّ المسك ضمّ على الخزامى ... إلى أحشائها وقضيب رند(٣)
  ألا من مبلغ عني نعيما ... فسوف(٤) يجرّب الإخوان بعدي
  رأيتك كالشموس ترى قريبا ... وتمنع مسح ناصية وخدّ
  / فإني إن أقع بك لا أهلَّل ... كوقع السيف ذي الأثر الفرند(٥)
  فأولى ثم أولى ثم أولى ... فهل للدّرّ يحلب من مردّ؟(٦)
  رثاؤه لصديقه
  أخبرني هاشم بن محمّد الخزاعي قال: حدّثني عيسى بن إسماعيل تينة، وأخبرني عمي قال: حدّثنا الكراني قال: حدّثني عيسى بن إسماعيل عن المدائني عن خالد بن سعيد عن أبيه قال: كان عبد اللَّه بن الزّبير صديقا لعمرو بن الزّبير بن العوّام، فلما أقامه أخوه(٧) ليقتصّ(٨) منه بالغ كل ذي حقد عليه في ذلك، وتدسّس فيه من يتقرّب إلى أخيه، وكان أخوه / لا يسأل من ادّعى عليه شيئا بيّنة، ولا يطالبه بحجّة، وإنما يقبل قوله ثم يدخله إليه السجن ليقتص منه، فكانوا يضربونه والقيح ينتضح من ظهره وأكتافه على الأرض لشدّة ما يمرّ به، ثم يضرب وهو على تلك الحال، ثم أمر بأن يرسل عليه الجعلان(٩)، فكانت تدبّ عليه فتثقب لحمه، - وهو مقيد مغلول(١٠) - يستغيث فلا يغاث، حتى مات على تلك الحال، فدخل الموكَّل به على أخيه عبد اللَّه بن الزبير وفي يده قدح لبن يريد أن يتسحّر به وهو يبكي فقال له: مالك؟ أمات عمرو؟ قال: نعم، قال: أبعده اللَّه، وشرب اللبن، ثم قال: لا تغسّلوه ولا تكفّنوه، وادفنوه في مقابر المشركين، فدفن فيها، فقال ابن الزّبير الأسدي يرثيه ويؤنّب أخاه بفعله، وكان له صديقا وخلَّا ونديما:
  /
  أيا راكبا إمّا عرضت فبلَّغن ... كبير بني العوّام إن قيل من تعني(١١)
(١) الهدء: أول الليل إلى ثلثه. تخطى: أصله تتخطى. أنمار وأسد أي رجال شجعان كالأنمار والأسود.
(٢) أتانا طروقا: إذا جاء بليل.
(٣) الخزامى: نبت زهره أطيب الأزهار نفحة. الرند: شجر طيب الرائحة.
(٤) في ج: «فكيف».
(٥) هلل عن الأمر: فزع وجبن وولى عنه ونكص، والأثر بالفتح والكسر. فرند السيف، وهو جوهره وماؤه الَّذي يجري فيه وطرائقه.
(٦) الدر: اللبن، وفي ج وب وس «يجلب» وهو تصحيف.
(٧) أي عبد اللَّه بن الزبير.
(٨) في ج وب. س «ليقبض» وهو تصحيف.
(٩) الجعلان: جمع جعل كعمر، وهو دويبة سوداء أكبر من الخنفساء.
(١٠) مغلول: مقيد بالغل وهو القيد.
(١١) عرضت: أتيت العروض (بفتح العين) وهي مكة والمدينة. تعني: تقصد. وفي ب وس: «تغني» وهو تصحيف.