أخبار العباس بن مرداس ونسبه
  سأجعلها لأجمعكم شعارا ... وقد يمضي اللسان بما يقول
  / وهذه الأبيات من شعر العبّاس بن مرداس الَّتي ذكرنا أخباره بذكرها، وفيه الغناء المنسوب من قصيدة قالها في غزاة غزاها بني زبيد باليمن.
  حربه مع بني زبيد
  قال أبو عمرو وأبو عبيدة: جمع العباس بن مرداس بن أبي عامر - وكان يقال للعبّاس: مقطَّع الأوتاد - جمعا من بني سليم فيه من جميع بطونها، ثم خرج بهم حتى صبّح بني زبيد بتثليث من أرض اليمن بعد تسع وعشرين ليلة، فقتل فيها عددا كثيرا، وغنم حتّى ملأ يديه، فقال في ذلك:
  لأسماء رسم أصبح اليوم دارسا ... وقفت به يوما إلى اللَّيل حابسا
  يقول فيها:
  فدع ذا ولكن هل أتاك مقادنا ... لأعدائنا نزجي الثقال الكوادسا(١)
  سمونا لهم تسعا وعشرين ليلة ... نجيز من الأعراض وحشا بسابسا(٢)
  فلم أر مثل الحيّ حيّا مصبّحا ... ولا مثلنا يوم التقينا فوارسا
  إذا ما شددنا شدّة نصبوا لنا ... صدور المذاكى والرماح المداعسا(٣)
  وأحصننا منهم فما يبلغوننا ... فوارس منّا يحبسون المحابسا
  وجرد كأنّ الأسد فوق متونها ... من القوم مرؤسا كميّا ورائسا
  وكنت أمام القوم أوّل ضارب ... وطاعنت إذ كان الطَّعان مخالسا(٤)
  / ولو مات منهم من جرحنا لأصبحت ... ضياع بأكناف الأراك عرائسا
  فأجابه عمرو بن معد يكرب عن هذه القصيدة بقصيدة أوّلها:
  /
  لمن طلل بالخيف أصبح دارسا ... تبدّل آراما وعينا كوانسا(٥)
  وهي طويلة، لم يكن في ذكرها مع أخبار العباس فائدة، وإنما ذكرت هذه الأبيات من قصيدة العباس لأن الغناء المذكور في أولها.
  شعره في جلاء بني النضير وجواب خوّات له
  أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال: حدّثنا الزّبير بن بكَّار قال: حدّثنا أبو غزيّة عن فليح بن سليمان قال: قال
(١) كدست الدواب: أسرعت وركب بعضها بعضا في سيرها.
(٢) الأعراض: قرى بين الحجاز واليمن. والبسابس: جمع بسبس كجعفر، وهو القفر الخالي.
(٣) المذاكى: الخيل الَّتي أتى عليها بعد قروحها سنة أو سنتان. والمداعس: جمع مدعس كمنبر وهو من الرماح الغليظ الشديد الَّذي لا ينثني، ودعسه بالرمح: طعنه.
(٤) تخالس القرنان: رام كل واحد منهما اختلاس الآخر. وفي ج «مجالسا» وفي ها «تخالسا».
(٥) آرام: جمع رئم، وهو الظبي الخالص البياض. والعين: بقر الوحش. وكنس الظبي كضرب: دخل في كناسه،. وهو ما يستره من الشجر.