أخبار العباس بن مرداس ونسبه
  من الشكر إنّ الشكر خير مغبّة ... وأوفق فعلا للَّذي كان أصوبا(١)
  فصرت كمن أمسى يقطَّع رأسه ... ليبلغ عزّا كان فيه مركبّا
  فبكّ بني هارون واذكر فعالهم ... وقتلهم للجوع إذ كنت مسغبا(٢)
  / قال الزبير: فحدّثني محمّد بن الحسن عن محرز بن جعفر قال: التقى عبّاس بن مرداس وخوّات بن جبير يوما عند عمر بن الخطَّاب ¥، فقال خوّات: يا عباس أأنت الَّذي رثيت اليهود، وقد كان منهم في عداوة رسول اللَّه ﷺ ما كان! فقال عباس: إنهم كانوا أخلَّائي في الجاهلية، وكانوا أقواما أنزل بهم فيكرمونني، ومثلي يشكر ما صنع إليه من الجميل، وكان بينهما قول حتى تجاذبا، فقال له خوّات: أما واللَّه لئن استقبلت غرب(٣) شبابي، وشبا أنيابي، وخشن جوابي، لتكرهنّ عتابي. فقال عبّاس: واللَّه يا خوّات، لئن استقبلت عنّي وفنّي(٤) وذكاء سنّي، لتفرّنّ منّي، إيّاي تتوعد يا خوّات، يا عاني(٥) السوآت! / واللَّه لقد استقبلك اللؤم فردعك(٦)، واستدبرك فكسعك(٧)، وعلاك فوضعك، فما أنت بمهجوم(٨) عليك من ناحية إلَّا عن فضل لؤم؛ إيّاي - ثكلتك أمّك - تروم؟ وعليّ تقوم؟ واللَّه ما نصبت سوقك، ولأظهرنّ عليك(٩) بعد؛ فقال عمر لهما: إما أن تسكتا وإما أن أو جعكما ضربا، فصمتا وكفّا، أخبرني بذلك علي بن نصر قال: حدّثني الحسن بن محمّد بن جرير، وحدّثني الحرمي بن أبي العلاء، قال: حدّثنا عبد الرحمن بن الحسن عن أبيه مثل ذلك. وللعباس مع خوّات مناقضات أخر في هذا المعنى، كرهت الإطالة بذكرها.
  رثاه أخوه بشعر
  قال أبو عبيدة: وكان العباس وسراقة وحزن وعمرو بنو مرداس كلَّهم من الخنساء بنت عمرو بن الشريد، وكلَّهم كان شاعرا، وعبّاس أشعرهم، وأشهرهم وأفرسهم وأسودهم، ومات في الإسلام، فقال أخوه سراقة يرثيه:
  /
  أعين ألا أبكي أبا الهيثم ... وأذري الدموع ولا تسأمي
  وأثني عليه بآلائه ... بقول امرئ موجع مؤلم
  [فما كنت بائعه بامرئ ... أراه ببدو ولا موسم](١٠)
  أشدّ على رجل ظالم ... وأدهى لداهية ميثم(١١)
(١) في ب، س، ج «من السكران السكر» وهو تصحيف.
(٢) أسغب: دخل في المجاعة فهو مسغب، كما يقال: أقحط: دخل في القحط.
(٣) الغرب: الحدّة. والشبا جمع شباة، وهي حد كل شيء.
(٤) العنّ: الاعتراض. والفنّ: الأمر العجب، رجل معنّ مفنّ (كمقص). معنّ: أي يعتن ويعترض في كل شيء، مفن: يأتي بالعجائب، ومفن أيضا ذوفنون من الكلام. والذكاء: شدّة وهج النار.
(٥) أي يا أسير السوآت.
(٦) ردعه بالشي كفتح: لطخه به.
(٧) كسعه بالسيف كمنع، ضرب دبره به.
(٨) في ب، س «بمجهوم» وهو تحريف والتصويب عن «ها».
(٩) في ج، ها «عنك».
(١٠) هذا البيت ساقط من ب، س، ج وقد أثبتناه عن «ها».
(١١) ميثم: شديد الوطء.