كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار العباس بن مرداس ونسبه

صفحة 464 - الجزء 14

  من الشكر إنّ الشكر خير مغبّة ... وأوفق فعلا للَّذي كان أصوبا⁣(⁣١)

  فصرت كمن أمسى يقطَّع رأسه ... ليبلغ عزّا كان فيه مركبّا

  فبكّ بني هارون واذكر فعالهم ... وقتلهم للجوع إذ كنت مسغبا⁣(⁣٢)

  / قال الزبير: فحدّثني محمّد بن الحسن عن محرز بن جعفر قال: التقى عبّاس بن مرداس وخوّات بن جبير يوما عند عمر بن الخطَّاب ¥، فقال خوّات: يا عباس أأنت الَّذي رثيت اليهود، وقد كان منهم في عداوة رسول اللَّه ما كان! فقال عباس: إنهم كانوا أخلَّائي في الجاهلية، وكانوا أقواما أنزل بهم فيكرمونني، ومثلي يشكر ما صنع إليه من الجميل، وكان بينهما قول حتى تجاذبا، فقال له خوّات: أما واللَّه لئن استقبلت غرب⁣(⁣٣) شبابي، وشبا أنيابي، وخشن جوابي، لتكرهنّ عتابي. فقال عبّاس: واللَّه يا خوّات، لئن استقبلت عنّي وفنّي⁣(⁣٤) وذكاء سنّي، لتفرّنّ منّي، إيّاي تتوعد يا خوّات، يا عاني⁣(⁣٥) السوآت! / واللَّه لقد استقبلك اللؤم فردعك⁣(⁣٦)، واستدبرك فكسعك⁣(⁣٧)، وعلاك فوضعك، فما أنت بمهجوم⁣(⁣٨) عليك من ناحية إلَّا عن فضل لؤم؛ إيّاي - ثكلتك أمّك - تروم؟ وعليّ تقوم؟ واللَّه ما نصبت سوقك، ولأظهرنّ عليك⁣(⁣٩) بعد؛ فقال عمر لهما: إما أن تسكتا وإما أن أو جعكما ضربا، فصمتا وكفّا، أخبرني بذلك علي بن نصر قال: حدّثني الحسن بن محمّد بن جرير، وحدّثني الحرمي بن أبي العلاء، قال: حدّثنا عبد الرحمن بن الحسن عن أبيه مثل ذلك. وللعباس مع خوّات مناقضات أخر في هذا المعنى، كرهت الإطالة بذكرها.

  رثاه أخوه بشعر

  قال أبو عبيدة: وكان العباس وسراقة وحزن وعمرو بنو مرداس كلَّهم من الخنساء بنت عمرو بن الشريد، وكلَّهم كان شاعرا، وعبّاس أشعرهم، وأشهرهم وأفرسهم وأسودهم، ومات في الإسلام، فقال أخوه سراقة يرثيه:

  /

  أعين ألا أبكي أبا الهيثم ... وأذري الدموع ولا تسأمي

  وأثني عليه بآلائه ... بقول امرئ موجع مؤلم

  [فما كنت بائعه بامرئ ... أراه ببدو ولا موسم]⁣(⁣١٠)

  أشدّ على رجل ظالم ... وأدهى لداهية ميثم⁣(⁣١١)


(١) في ب، س، ج «من السكران السكر» وهو تصحيف.

(٢) أسغب: دخل في المجاعة فهو مسغب، كما يقال: أقحط: دخل في القحط.

(٣) الغرب: الحدّة. والشبا جمع شباة، وهي حد كل شيء.

(٤) العنّ: الاعتراض. والفنّ: الأمر العجب، رجل معنّ مفنّ (كمقص). معنّ: أي يعتن ويعترض في كل شيء، مفن: يأتي بالعجائب، ومفن أيضا ذوفنون من الكلام. والذكاء: شدّة وهج النار.

(٥) أي يا أسير السوآت.

(٦) ردعه بالشي كفتح: لطخه به.

(٧) كسعه بالسيف كمنع، ضرب دبره به.

(٨) في ب، س «بمجهوم» وهو تحريف والتصويب عن «ها».

(٩) في ج، ها «عنك».

(١٠) هذا البيت ساقط من ب، س، ج وقد أثبتناه عن «ها».

(١١) ميثم: شديد الوطء.