أخبار جعفر بن الزبير
  إلى أبي قال: أعطيته من غير مسألة؟ فقيل: نعم. قال: الحمد للَّه، ما أسخى هذا الفتى! ما كان أبوه سخيا ولا ابن سخيّ. ولكنّ هذا كأنه(١) من آل حرب. ثم قال:
  فما كنت ديانا فقد دنت إذ بدت ... صكوك أمير المؤمنين تدور(٢)
  بوصل أولي الأرحام قبل سؤالهم ... وذلك أمر في الكرام كثير
  قال بعض من روى هذا الخبر عن الزبير: الناس لا ينظرون في عيب أنفسهم، وما كان لجعفر أن يعيب أحدا بالبخل؛ وما رئي في الناس أحد أبخل منهم أهل البيت ولا من عبد اللَّه بن الزبير خاصة، وما كان فيهم جواد غير مصعب.
  قال الزبير: حدّثني عمي، قال: كان السلطان بالمدينة إذا جاء مال الصدقة أدان من أراد من قريش منه(٣)، وكتب بذلك صكَّا عليه، فيستعبدهم به، / ويختلفون إليه، ويديرونه(٤)، فإذا غضب على أحد منهم استخرج ذلك منه(٥)، حتّى كان هارون الرشيد، فكلَّمه عبد اللَّه بن مصعب في صكوك بقيت من ذلك على غير واحد من قريش؛ فأمر بها فخرّقت عنهم، فذلك قول ابن الزبير:
  فما كنت ديّانا فقد دنت إذ بدت ... صكوك أمير المؤمنين تدور
  قال الزبير: وحدّثني عمّي مصعب قال:
  شهد جعفر بن الزبير مع أخيه عبد اللَّه حربه، واستعمله عبد اللَّه على المدينة، وقاتل يوم قتل عبد اللَّه بن الزبير، حتّى جمد الدم على يده؛ وفي ذلك يقول جعفر:
  لعمرك إنّي يوم أجلت ركائبي ... لأطيب نفسا بالجلاد لدى الرّكن(٦)
  ضنين بمن خلفي شحيح بطاعتي ... طراد رجال لا مطاردة الحصن
  - الحصن: جمع حصان، يقول: هذا طراد القتال لا طراد الخيل في الميادين -
  غداة تحامتنا تجيب وغافق ... وهمدان تبكي من مطاردة الضّبن(٧)
  عاتب أخاه عروة وقال شعرا:
  قال الزبير:
  وحدّثني عمي مصعب بن عثمان؛ أنّ جعفر بن الزبير كانت بينه وبين أخيه عروة معاتبة، فقال في ذلك:
(١) كأنه، ساقطة من ط، مب.
(٢) أراد بالديان هنا المقترض، كالمديان.
(٣) ط، مب، مط: «منها»، برجوع الضمير إلى «الصدقة».
(٤) س: «ويداورونه». أ: «ويدبرونه»، وأثبت ما في ط، مب، مط. يقال: أدرته عن الأمر، إذا طلبت منه تركه.
(٥) الاستخراج: استصفاء أموال من اتهم باختلاس الدولة، وكانوا يستخدمون كل ما لديهم من وسائل التعذيب والإرهاق لاستخراج هذه الأموال، وكان لهذا قيم يسمونه «صاحب الاستخراج». انظر «البيان والتبيين» للجاحظ (٢: ١٦٦).
(٦) ط، مب، مط: «كتائبي» موضع «ركائبي».
(٧) تجيب، بضم التاء وفتحها: بطن من كندة. س: «بخبت»، تحريف. والضبن، لعلَّه يعني بهم بني ضبينة، وهم حي من قيس.