كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر خبر مضاض بن عمرو

صفحة 15 - الجزء 15

  حولا، حتى ترجع إليّ رسلي التي أرسلت، فإن أنزلتموني طوعا نزلت وحمدتكم وآسيتكم⁣(⁣١) في الرّعي والماء، وإن أبيتم أقمت على كرهكم ثم لم ترتعوا معي إلَّا فضلا⁣(⁣٢)، ولم تشربوا إلا رنقا⁣(⁣٣)، وإن قاتلتموني قاتلتكم، ثمّ إن ظهرت عليكم سبيت النساء وقتلت الرجال، ولم أترك منكم أحدا ينزل الحرم أبدا! فأبت جرهم أن تنزله / طوعا وتعبّت لقتاله⁣(⁣٤)، فاقتتلوا ثلاثة أيام أفرغ عليهم فيها الصبر، ومنعوا النصر⁣(⁣٥)، ثم انهزمت جرهم فلم يفلت منهم إلا الشّريد. وكان مضاض بن عمرو قد اعتزل حربهم ولم يعنهم في ذلك، وقال: قد كنت أحذّركم هذا. ثم رحل هو وولده وأهل بيته حتّى نزلوا قنونى⁣(⁣٦) وما حوله، فبقايا جرهم⁣(⁣٧) به إلى اليوم، وفني الباقون؛ أفناهم السيف في تلك الحروب.

  شعره في نفي جرهم عن الحرم

  قالوا: فلما حازت خزاعة أمر مكَّة وصاروا وأهلها جاءهم بنو إسماعيل وقد كانوا اعتزلوا حرب جرهم وخزاعة، فلم يدخلوا في ذلك، فسألوهم السّكنى معهم وحولهم فأذنوا لهم، فلما رأى ذلك مضاض بن عمرو بن الحارث وقد كان أصابه من الصّبابة إلى مكَّة أمر عظيم، أرسل إلى خزاعة يستأذنها، ومتّ إليهم برأيه⁣(⁣٨) وتوريعه قومه عن القتال⁣(⁣٩)، وسوء العشرة في الحرم، واعتزاله الحرب، فأبت خزاعة أن يقرّوهم ونفوهم عن الحرم كلَّه، وقال عمرو بن لحي لقومه: من وجد منكم جرهميا قد قارب الحرم فدمه هدر⁣(⁣١٠)! فنزعت إبل لمضاض بن عمرو بن الحارث بن مضاض بن عمرو، من قنونى تريد مكة، فخرج في طلبها حتّى وجد أثرها⁣(⁣١١) قد دخلت مكة، فمضى على الجبال نحو أجياد، حتّى ظهر على أبي قبيس⁣(⁣١٢) يتبصّر الإبل في بطن وادي / مكَّة، فأبصر الإبل تنحر وتؤكل ولا سبيل له إليها، فخاف إن هبط الوادي أن يقتل، فولَّى منصرفا إلى أهله وأنشأ يقول:

  كأن لم يكن بين الحجون إلى الصّفا ... أنيس ولم يسمر بمكَّة سامر

  ولم يتربّع واسطا فجنوبه ... إلى المنحنى من ذي الأراكة حاضر⁣(⁣١٣)


(١) المواساة والمؤاساة: التسوية. ط، مب، أ «واسيتكم». ونص في «القاموس» أنها لغة رديئة.

(٢) الارتعاء: الرعي.

(٣) الرنق بالفتح والسكون، وككنف وجبل: الماء الكدر.

(٤) التعبى: التهيؤ والاستعداد للقتال.

(٥) أي لم ينتصر أحد الفريقين.

(٦) قنوني، بفتح القاف والنون: واد من أودية السراة يصب إلى البحر في أوائل أرض اليمن من جهة مكة. ط، مب: «فنوني» بالفاء وبضبط سابقه، في مط: «فنونا». قال ياقوت: «موضع في بلاد العرب».

(٧) ط، ها: «بها».

(٨) مت: توسل. ط، مب: «برائه». والراء: الرأي.

(٩) ورعه توريعا: كفه. ما عدا ط، مب، مط: «توزيعه». والتوزيع: التفريق، ولا وجه له.

(١٠) كذا في ط، مب، مط. وبدله في سائر النسخ: «وقالوا: من دخله منهم فدمه هدر».

(١١) ما عدا ط، أ، مب: «حتى وجدها».

(١٢) ظهر عليه: علاه. وأبو قبيس: جبل بمكة.

(١٣) التربع: الإقامة بالمكان. وواسط: موضع بالحجاز في طريق منى. وذو الأراكة: نخل بموضع من اليمامة. ما عدا ط: «من دي الأريكة»، تحريف. مب: «من ذي أراكة». مط «من ذي أراك».