كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر أخبار بصبص جارية ابن نفيس وأخبارها

صفحة 24 - الجزء 15

  صوت

  إذا تمزّزت صراحيّة ... كمثل ريح المسك أو أطيب⁣(⁣١)

  ثم تغنّى لي بأهزاجه ... زيد أخو الأنصار أو أشعب

  حسبت أنّي مالك جالس ... حفّت به الأملاك والموكب

  فلا أبالي وإله الورى ... أشرّق العالم أم غرّبوا

  الغناء لزيد الأنصاري، هزج مطلق في مجرى الوسطى عن الهشاميّ وغيره، وذكر غيره أنه لأشعب. فقال أبو جعفر: العالم لا يبالون كيف أصبحت وكيف أمسيت.

  إعجاب المنصور بشعر طريف العنبري:

  ثم قال أبو جعفر: ولكنّ الذي يعجبني أن يحدو بي الحادي الليلة بشعر طريف العنبريّ، فهو آلف في سمعي من غناء بصبص، وأحرى أن يختاره أهل العقل. قال: فدعا فلانا الحادي - قد ذكره وسقط اسمه - وكان إذا حدا وضعت الإبل رؤوسها لصوته⁣(⁣٢) وانقادت انقيادا عجيبا⁣(⁣٣)، فسأله المنصور: ما بلغ من حسن حدائه؟ قال: تعطَّش الإبل ثلاثا أو قال خمسا وتدني من الماء، ثمّ أحدو فتتبع كلَّها صوتي، ولا تقرب الماء. فحفظ الشعر، وكان⁣(⁣٤):

  إنّي وإن كان ابن عمّي كاشحا ... لمزاحم من دونه وورائه⁣(⁣٥)

  وممدّه نصري وإن كان أمرأ ... متزحزحا في أرضه وسمائه⁣(⁣٦)

  / وأكون مأوى سرّه وأصونه ... حتّى يحقّ عليّ يوم أدائه

  وإذا أتى من غيبه بطريفة ... لم أطَّلع: ماذا وراء خبائه

  وإذا تحيّفت الحوادث ماله ... قرنت صحيحتنا إلى جربائه⁣(⁣٧)

  وإذا تريّش في غناه وفرته ... وإذا تصعلك كنت من قرنائه⁣(⁣٨)

  وإذا غدا يوما ليركب مركبا ... صعبا قعدت له على سيسائه⁣(⁣٩)

  فلما كان الليل حدا به الحادي بهذه الأبيات، فقال: هذا واللَّه أحثّ على المروءة وأشبه بأهل الأدب من غناء


(١) التمزز: التمصص. وفي بعض النسخ: «تمررت» تحريف. والصراحية: الخمر الخالصة.

(٢) وضعت رؤوسها: خفضتها.

(٣) هذه الكلمة من ط، مب، مط.

(٤) كذا في ط، ها، مب، ح. وفي سائر النسخ: «فحفظه هذا الشعر».

(٥) الكاشح: مضمر العداوة.

(٦) المتزحزح: البعيد.

(٧) قرنت، كذا على الصواب في ط، مب. وفي سائر النسخ: «قرت». وجربائه تصحيح ط، مط وهي في ح: «جريانه»، وفي سائر النسخ: «حوبائه».

(٨) تريش وارتاش: أصاب خيرا فرئي عليه أثر ذلك.

(٩) اسيساء الظهر من الدواب: مجتمع الوسط.