أخبار حبابة
  الزبير فيما أخبرنا به الحسن بن علي عن هارون بن محمد، عنه عن عمه. قال: ومن زعم أن سعدة اشترتها فقد أخطأ.
  / قال المدائني: ثم خطب يزيد إلى أخيها خالد بنت أخ له، فقال: أما يكفيه أنّ سعدة عنده حتّى يخطب إلى بنات أخي؟ وبلغ يزيد فغضب، فقدم عليه خالد يسترضيه، فبينا هو في فسطاطه إذ أتته جارية لحبابة في خدمها فقالت له: أمّ داود تقرأ عليك السلام وتقول لك: قد كلَّمت أمير المؤمنين فرضي عنك. فالتفت فقال: من أم داود؟
  فأخبره من معه أنّها حبابة، وذكر له قدرها ومكانها من يزيد. فرفع رأسه إلى الجارية فقال: قولي لها: إنّ الرضا عنّي بسبب لست به. فشكت ذاك إلى يزيد فغضب، وأرسل إلى خالد فلم يعلم بشيء حتى أتاه رسول حبابة به فيمن معه من الأعوان، فاقتلعوا فسطاطه وقلعوا أطنابه، حتّى سقط عليه وعلى أصحابه، فقال: ويلكم ما هذا؟ قالوا:
  رسل حبابة، هذا ما صنعت بنفسك. فقال: مالها أخزاها اللَّه، ما أشبه رضاها بغضبها!
  شعر الحارث بن خالد في حبابة:
  قال إسحاق: وحدّثني محمد بن سلَّام عن يونس بن حبيب، أنّ يزيد بن عبد الملك اشترى حبابة، وكان اسمها العالية، بأربعة آلاف دينار، فلما خرج بها قال الحارث بن خالد فيها:
  ظعن الأمير بأحسن الخلق ... وغدوا بلبّك مطلع الشرق
  مرّت على قرن يقاد بها ... تعدو أمام براذن زرق(١)
  فظللت كالمقمور مهجته ... هذا الجنون وليس بالعشق(٢)
  يا ظبية عبق العبير بها ... عبق الدّهان بجانب الحقّ
  / وغنته حبابة في الشعر، وبلغ يزيد فسألها عنه فأخبرته، فقال لها: غنّيني به. فغنته فأجادت وأطربته، فقال إسحاق: ولعمري إنه من جيد غنائها.
  قال أبو الفرج الأصبهاني: هذا غلط ممّن رواه في أبيات الحارث بن خالد؛ لأنه قالها في عائشة بنت طلحة، لمّا تزوّجها مصعب بن الزبير وخرج بها(٣). وفي أبياته يقول:
  في البيت ذي الحسب الرفيع ومن ... أهل التقى والبرّ والصّدق
  وقد شرح ذلك في أخبار عائشة بنت طلحة.
  قال إسحاق: وأخبرني الزبيري أنّ يزيد اشتراها وهو أمير، فلما أراد الخروج بها قال الحارث بن خالد فيها:
  قد سلّ جسمي وقد أودى به سقم ... من أجل حيّ جلوا عن بلدة الحرم(٤)
(١) قرن، بالتحريك: جبل، ذكره ياقوت، وأنشد هذه الأبيات فيه منسوبة إلى عبيد اللَّه بن قيس الرقيات، وكذلك وردت هذه النسبة في كتاب «المردفات من قريش» ٦٥ من «نوادر المخطوطات» المجلد الثاني. والصواب أن يكون: «القرن» هنا: البعير المقرون بآخر.
تعدو، أي يعدو بعيرها. ورواية ياقوت: «يقاد بها جمل».
(٢) المقمور: المغلوب في القمار. ورواية المردفات: «خلعته» بدل «بهجته».
(٣) وهي إحدى نسبتي «كتاب المردفات».
(٤) فيما عدا ط، مب: «قد خلوا» محرّف.