أخبار حبابة
  يحنّ قلبي إليها حين أذكرها ... وما تذكرت شوقا آب من أمم(١)
  إلَّا حنينا إليها إنّها رشأ ... كالشّمس رود ثقال سهلة الشيم(٢)
  فضّلها اللَّه ربّ الناس إذ خلقت ... على النساء من أهل الحزم والكرم
  أقوال الشعراء فيها:
  وقال فيها الشعراء فأكثروا، وغنّى في أشعارهم المغنّون من أهل مكة والمدينة، وبلغ ذلك يزيد فاستشنعه، فقال: هذا قبل رحلتنا وقد هممنا، فكيف لو ارتحلنا؟! وتذكر القوم / شدّة الفراق، وبلغه أيضا أن سليمان قد تكلَّم في ذلك، فردّها، ولم تزل في قلبه حتّى ملك، فاشترتها سعدة امرأته العثمانية، ووهبتها له.
  منزلة حبابة عند يزيد:
  أخبرني ابن عمّار قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني إسحاق قال: حدّثني أبو ذفافة المنهال بن عبد الملك، عن مروان بن بشر بن أبي سارة مولى الوليد بن يزيد، قال:
  أوّل(٣) ما ارتفعت به منزلة حبابة عند يزيد أنّه(٤) أقبل يوما إلى البيت الذي هي فيه، فقام من وراء الستر فسمعها تترنم وتغنّي وتقول:
  كان لي يا يزيد حبّك حينا ... كاد يقضى عليّ لما التقينا(٥)
  - والشعر كان «يا شقير»(٦) - فرفع الستر فوجدها مضطجعة مقبلة على الجدار، فعلم أنها لم تعلم(٧) به ولم يكن ذاك لمكانه، فألقى نفسه عليها وحرّكت منه.
  قال المدائني: غلبت حبابة على يزيد، وتبنّى بها عمر بن هبيرة فعلَّت منزلته، حتى كان يدخل على يزيد في أيّ وقت شاء، وحسد ناس من بني أمية مسلمة بن عبد الملك على ولايته، وقدحوا فيه عند يزيد، وقالوا: إن مسلمة إنّ اقتطع الخراج لم يحسن يا أمير المؤمنين أن تفتشه أو تكشفه(٨) عن شيء، لسنّه وحقّه(٩)، وقد علمت أنّ أمير المؤمنين لم يدخل أحدا من أهل بيته في الخراج. فوقر ذلك في قلب يزيد(١٠)، وعزم على عزله، وعمل ابن هبيرة في ولاية العراق من قبل حبابة، فعملت له في ذلك. وكان بين ابن هبيرة وبين القعقاع بن خالد عداوة، وكانا يتنازعان ويتحاسدان، فقيل للقعقاع لقد: نزل ابن هبيرة من أمير المؤمنين منزلة، / إنه لصاحب العراق غدا. فقال
(١) الأمم، بالتحريك: القرب.
(٢) الرود، بالضم، وأصلها الهمز: الشابة الحسنة. والثقال، كسحاب: العظيمة الكفل.
(٣) بدلهما فيما عدا ط، ها، مب: «لما».
(٤) كلمة «به» و «أنه» من ط، ح، ها، مب.
(٥) الحين، بالفتح: الهلاك.
(٦) ما عدا ط، هـ، مب: «يا سقير».
(٧) الكلام بعده إلى نهاية السطر الأول بعد الأبيات الدالية التي ستأتي، ناقص من نسخة ط.
(٨) هذا ما في ها، مب. وفي س: «أن يستكشف». وفي سائر النسخ: «أن يعيشه وأن يكسبه» تحريف.
(٩) ما عدا «ها»، مب: «وخفته».
(١٠) وقر في قلبه، أي ثبت وسكن.