كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار حبابة

صفحة 89 - الجزء 15

  ومن يطيق ابن هبيرة؟! حبابة بالليل، وهداياه بالنهار، مع أنه وإن بلغ فإنه رمل من بني سكين⁣(⁣١). فلم تزل حبابة تعمل له حتى وليها.

  حدّثنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال: حدّثنا عمر بن شبّة قال: سمعت إسحاق بن إبراهيم يحدّث بهذا الحديث، فحفظته ولم أحفظ إسناده. وحدّثنا محمد بن خلف وكيع قال حدّثني أحمد بن زهير قال: حدّثنا مصعب الزبيري، عن مصعب بن عثمان. وقد جمعت روايتيهما قالا:

  أراد يزيد بن عبد الملك أن يشبّه بعمر بن عبد العزيز وقال: بماذا صار عمر أرجى لربّه⁣(⁣٢) جلّ وعزّ منّي؟ فشقّ ذلك على حبابة؟ فأرسلت إلى الأحوص.

  مسلمة ويزيد بن معاوية:

  هكذا في رواية وكيع، وأما عمر بن شبّة فإنه ذكر أنّ مسلمة أقبل على يزيد يلومه في الإلحاح على الغناء والشّرب، وقال له: إنك وليت بعقب عمر بن عبد العزيز وعدله، وقد تشاغلت بهذه الأمّة عن النظر في الأمور، والوفود ببابك، وأصحاب الظَّلامات يصيحون، وأنت غافل عنهم. فقال: صدقت واللَّه، وأعتبه وهمّ بترك الشّرب، ولم يدخل على حبابة أياما، فدسّت حبابة إلى الأحوص أن يقول أبياتا في ذلك وقالت له: إن رددته عن رأيه فلك ألف دينار. فدخل الأحوص إلى يزيد، فاستأذن في الإنشاد، فأذن له.

  قال إسحاق في خبره: فقال الأحوص:

  صوت

  ألا لا تلمه اليوم أن يتبلَّدا ... فقد غلب المحزون أن يتجلَّدا

  بكيت الصّبا جهدي فمن شاء لا مني ... ومن شاء آسى في البكاء وأسعدا

  / وإنّي وإن فنّدت في طلب الغنى ... لأعلم أنّي لست في الحبّ أوحدا⁣(⁣٣)

  إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى ... فكن حجرا من يابس الصخر جلمدا

  فما العيش إلا ما تلذّ وتشتهي ... وإن لام فيه ذو الشّنان وفنّدا⁣(⁣٤)

  الغناء لمعبد، خفيف ثقيل أوّل بالبنصر، وفيه رمل للغريض. ويقال إنه لحبابة.

  قال⁣(⁣٥): ومكث جمعة لا يرى حبابة ولا يدعو بها، فلما كان يوم الجمعة قالت لبعض جواريها: إذا خرج أمير المؤمنين إلى الصلاة فأعلميني. فلما أراد الخروج أعلمتها، فتلقّته والعود في يدها، فغنت البيت الأوّل، فغطَّى وجهه وقال: مه لا تفعلي. ثم غنت:

  وما العيش إلا ما تلذّ وتشتهي


(١) سكين، بالتصغير: أحد أجداده، كما في ترجمة يزيد بن عمر بن هبيرة، في «وفيات الأعيان».

(٢) الرجاء: الخوف. قال ø: {ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّه ِ وَقاراً}، أي لا تخافون للَّه عظمة.

(٣) التفنيد: التكذيب، والتعجيز وتخطئ الرأي.

(٤) الشنان والشنآن: العداوة والبغض.

(٥) إلى هنا ينتهي سقط ط الذي سبق التنبيه عليه.