كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار حبابة

صفحة 91 - الجزء 15

  فطرب الشيخ وقال: لا فيف، جعلني اللَّه فداكنّ! يريد: لا كيف. فعلمن أنه ليس عمّه، وقمن إليه بعيدانهنّ ليضربنه بها، حتّى حجزهنّ يزيد عنه. ثم قال له بعد ما انقضى أمرهن: ما تقول الآن أدع هذا أم لا؟ قال: لا تدعه!

  حبابة تردّ يزيد إلى ما كان عليه:

  أخبرني إسماعيل بن يونس قال: حدّثنا عمر بن شبّة قال: حدّثني خالد بن يزيد بن بحر الخزاعي الأسلميّ، عن محمد بن سلمة، عن أبيه عن حماد الراوية قال:

  كانت حبابة فائقة في الجمال والحسن، وكان يزيد لها عاشقا، فقال لها يوما: قد استخلفتك على ما ورد عليّ. ونصبت لذلك مولاي فلانا فاستخلفيه لأقيم معك أيّاما وأستمتع بك. قالت: فإنّي قد عزلته. فغضب عليها وقال: قد استعملته وتعزلينه؟ وخرج من عندها مغضبا، فلما ارتفع النّهار وطال عليه هجرها دعا خصيّا له وقال:

  انطلق فانظر أيّ شيء تصنع حبابة؟ فانطلق الخادم ثم أتاه، فقال: رأيتها مؤتزرة بإزار خلوقيّ⁣(⁣١) قد جعلت له ذنبين وهي تلعب بلعبها. فقال: ويحك احتل لها حتّى تمرّ بها عليّ. فانطلق الخادم إليها فلاعبها ساعة، ثم استلب لعبة من لعبها وخرج، فجعلت تحضر في أثره، فمرت بيزيد فوثب وهو يقول: قد / عزلته! وهي تقول: قد استعملته! فعزل مولاه وولَّاه وهو لا يدري. فمكث معها خاليا أياما حتّى دخل عليه أخوه مسلمة فلامه، وقال: ضيعت حوائج الناس واحتجبت عنهم، أترى هذا مستقيما لك؟! وهي تسمع مقالته، فغنّت لما خرج:

  ألا لا تلمه اليوم أن يتبلدا

  فذكرت الأبيات. فطربو قال: قا تلك اللَّه أبيت إلا أن ترديني إليك. وعاد إلى ما كان عليه.

  حبابة وسلامة تغنيان يزيد بشعر للأحوص فيعود إلى الصبا:

  أخبرني إسماعيل قال: حدّثني عمي قال: حدّثني إسحاق قال: حدّثني الهيثم بن عديّ، عن صالح بن حسّان قال:

  قال مسلمة ليزيد: تركت الظَّهور⁣(⁣٢) وشهود الجمعة الجامعة، وقعدت في منزلك مع هذه الإماء! وبلغ ذلك حبابة وسلامة فقالتا للأحوص: قل في ذلك شعرا فقال:

  وما العيش إلا ما تلذّ وتشتهي ... وإن لام فيه ذو الشّنان وفنّدا

  بكيت الصّبا جهدي فمن شاء لامني ... ومن شاء آسى في البكاء وأسعدا

  وإنّي وإن أغرقت في طلب الصبا ... لأعلم أنّي لست في الحبّ أوحدا

  إذا كنت عزهاة عن اللَّهو والصبا ... فكن حجرا من يابس الصخر جلمدا⁣(⁣٣)

  قال: فغنتا يزيد فيه، فلما فرغتا ضرب بخيزرانته الأرض وقال: صدقتما صدقتما! فعلى مسلمة لعنة اللَّه وعلى ما جاء به.


(١) كلمة «مؤتزرة» من ط، ها، مب فقط. وخلوقي، كأنه يريد لونه كلون الخلوق. والخلوق بفتح الخاء: طيب يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب، وتغلب عليه الحمرة والصفرة.

(٢) ما عدا ط، ها، مب: «الطهور» بالطاء المهملة.

(٣) العزهاة: للمنقبض المعرض.