كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار حسان وجبلة بن الأيهم

صفحة 109 - الجزء 15

  قدومه على عمرو بن الحارث ولقاؤه النابغة وعلقمة:

  قال أبو عمرو: قال حسان بن ثابت: قدمت على عمرو بن الحارث فاعتاص الوصول عليّ إليه، فقلت للحاجب بعد مدّة: إن أذنت لي عليه وإلا هجوت اليمن كلَّها ثم انقلبت عنكم. فأذن لي فدخلت عليه فوجدت عنده النابغة وهو جالس عن يمينه، وعلقمة بن عبدة وهو جالس عن يساره، فقال لي: يا ابن الفريعة، قد عرفت عيصك⁣(⁣١) ونسبك في غسّان فارجع فإنّي باعث إليك بصلة سنيّة، ولا أحتاج إلى الشعر، فإنّي أخاف عليك هذين السّبعين: النابغة وعلقمة، أن يفضحاك، وفضيحتك فضيحتي، وأنت واللَّه لا تحسن أن تقول:

  رقاق النّعال طيّب حجزاتهم ... يحيّون بالريحان يوم السّباسب

  استنشاد عمرو بن الحارث له وتفضيله عليهما:

  فأبيت وقلت: لا بدّ منه. فقال: ذاك إلى عمّيك. فقلت لهما: بحقّ الملك إلَّا قدّمتماني عليكما. فقالا: قد فعلنا. فقال عمرو بن الحارث: هات يا ابن الفريعة. فأنشأت:

  أسألت رسم الدّار أم لم تسأل ... بين الحواني فالبضيع فحومل⁣(⁣٢)

  / فقال: فلم يزل عمرو بن الحارث يزحل⁣(⁣٣) عن موضعه سرورا حتى شاطر البيت وهو يقول: هذا وأبيك الشّعر، لا ما تعلَّلاني به منذ اليوم! هذه واللَّه البتّارة⁣(⁣٤) التي قد بترت المدائح، أحسنت يا ابن الفريعة، هات له يا غلام ألف دينار مرجوحة⁣(⁣٥) وهي التي في كلّ دينار عشرة دنانير. فأعطيت ذلك ثم قال: لك عليّ في كلّ سنة مثلها.

  النابغة يقول الثناء المسجوع في عمرو بن الحارث:

  ثم أقبل على النابغة فقال: قم يا زياد فهات الثّناء المسجوع. فقام النابغة فقال:

  ألا أنعم صباحا أيّها الملك المبارك، السّماء غطاؤك، والأرض وطاؤك، ووالداي فداؤك، والعرب وقاؤك، والعجم حماؤك⁣(⁣٦)، والحكماء جلساؤك، والمداره سمّارك⁣(⁣٧)، والمقاول إخوانك⁣(⁣٨)، والعقل شعارك، والحلم دثارك، والسكينة مهادك، والوقار غشاؤك، والبرّ وسادك، والصّدق رداؤك، واليمن حذاؤك⁣(⁣٩)، والسّخاء ظهارتك،


(١) العيص، بالكسر: الأصل.

(٢) الحواني، هي في «الديوان»: «الجوابي». وفي «شرحه»: «أراد جابية الجولان. والجولان ما بين دمشق إلى الأردن». البضيع، بالتصغير: جبل بالشام أسود. ح: «بالنصيع» وفي سائر النسخ ما عدا ط: «فالبصيع» صوابهما في ط.

(٣) يزحل: يتنحى ويتباعد.

(٤) أ، ط، ح، ها.، مط: «البنانة». والبت والبتر بمعنى.

(٥) ط، ها، مط: «مرموجة» أ: «مرجوجة». وأثبت ما في سائر النسخ. وقد تكون هذه التسمية من قبيل التسمية بالأضداد، كما يقال للديغ سليم.

(٦) في «اللسان»: «ويقال حماء لك بالمد، في معنى فداء لك».

(٧) المداره: جمع مدره كمنبر، وهو المقدم في «اللسان» واليد عند الخصومة والقتال.

(٨) المقاول: جمع مقول بالكسر، وهو الملك من ملوك حمير دون الملك الأعلى.

(٩) اليمن، البركة وخلاف الشؤم. أي تسير البركة تحت قدميه.