كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

نسب ابن الزبعري وأخباره وقصة غزوة أحد

صفحة 123 - الجزء 15

  المدينة، فقال رجال من المسلمين، ممن أكرم اللَّه جلّ ثناؤه بالشهادة يوم أحد وغيرهم ممن فاته بدر وحضوره:

  يا رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليك وسلَّم اخرج بنا إلى أعدائنا لا يرون أنا جبنّا عنهم وضعفنا. فقال عبد اللَّه بن أبيّ بن سلول: يا رسول اللَّه أقم بالمدينة، ولا تخرج إليهم، فو اللَّه ما خرجنا منها إلى عدوّ قط إلا أصاب منّا، ولا يدخلها علينا إلَّا أصبنا منهم، فدعهم يا رسول اللَّه، فإن أقاموا أقاموا بشرّ مجلس، وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم، ورماهم النساء والصّبيان بالحجارة من فوق رؤوسهم، وإن رجعوا رجعوا خائبين كما جاؤوا. فلم يزل برسول اللَّه الذين كان من أمرهم حبّ لقاء العدوّ، حتّى دخل رسول اللَّه فلبس لأمته، وذلك يوم الجمعة، حين فرغ رسول اللَّه من الصلاة. وقد مات في ذلك / اليوم رجل من الأنصار يقال له مالك بن عمرو، أحد بني النجّار فصلَّى عليه رسول اللَّه ثم خرج عليهم، وقد ندم الناس: وقالوا استكرهنا رسول اللَّه ولم يكن ذلك لنا! فخرج رسول اللَّه عليهم فقالوا: يا رسول اللَّه استكرهناك ولم يكن ذلك لنا، فإن شئت فاقعد صلَّى اللَّه عليك. فقال #: «ما ينبغي لنبيّ إذا لبس لأمته أن يضعها حتّى يقاتل» قال: فخرج رسول اللَّه في ألف رجل من أصحابه، حتّى إذا كانوا بالشوط، بين أحد والمدينة، انخزل عنه عبد اللَّه بن أبيّ بن سلول بثلث الناس، وقال: أطاعهم فخرج وعصاني، واللَّه ما ندري علام نقتل أنفسنا ها هنا أيّها الناس. فرجع بمن اتّبعه من الناس من قومه، من أهل النّفاق والرّيب، واتّبعهم عبد اللَّه بن عمرو بن حرام أحد بني سلمة يقول: يا قوم أذكَّركم⁣(⁣١) اللَّه أن تخذلوا نبيّكم وقومكم عندما حضر من عدوّهم. فقالوا: لو نعلم أنّكم تقاتلون ما أسلمناكم، ولكنّا لا نرى أنّه يكون قتال. فلما استعصوا عليه وأبوا إلَّا الانصراف قال: أبعدكم اللَّه أعداء اللَّه، فيسغني اللَّه ø عنكم.

  وقال محمد بن عمر الواقدي: انخزل عبد اللَّه بن أبيّ عن رسول اللَّه / من الشّيخين⁣(⁣٢) بثلاثمائة، فبقي رسول اللَّه في سبعمائة، وكان المشركون في ثلاثة آلاف، والخيل مائتا فارس، والظَّعن خمس عشرة امرأة.

  قال: وكان في المشركين سبعمائة دارع، ولم يكن معهم من الخيل إلَّا فرسان: فرس لرسول اللَّه ، وفرس لأبي بردة بن نيار الحارثي. فادّلج⁣(⁣٣) رسول اللَّه من الشّيخين حتّى طلع الحمراء، وهما⁣(⁣٤) أطمان كان يهوديّ / ويهودية أعميان يقومان عليهما فيتحدّثان، فلذلك سميا الشيخين، وهما في طرف المدينة.

  قال: وعرض رسول اللَّه المقاتلة بعد المغرب، فأجاز من أجاز، وردّ من ردّ. قال: وكان فيمن ردّ زيد بن ثابت، وأبو عمرو أسيد بن ظهير، والبراء بن عازب، وعرابة بن أوس. قال: وهو عرابة الذي قال فيه الشماخ:

  إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقّاها عرابة باليمين

  قال: وردّ أبا سعيد الخدريّ، وأجاز سمرة بن جندب، ورافع بن خديج. وكان رسول اللَّه قد استصغر رافعا، فقام على خفيّن له فيهما رقاع، وتطاول على أطراف أصابعه، فلما رآه رسول اللَّه أجازه.

  قال محمد بن جرير: فحدّثني الحارث قال: حدّثنا ابن سعد قال: أخبرنا محمد بن عمر قال:


(١) كذا في ط، مط، مب والسيرة. وفي سائر النسخ: «اذكروا».

(٢) الشيخان: موضع بالمدينة كان فيه معسكر رسول اللَّه .

(٣) أدلج: سار في آخر الليل.

(٤) أي الشيخان.