ذكر خبر قس بن ساعدة ونسبه وقصته في هذا الشعر
  خطبته
  أيّها الناس اسمعوا وعوا، من عاش مات، ومن مات فات، وكلّ ما هو آت آت. ليل داج، وسماء ذات أبراج، بحار تزخر، ونجوم تزهر(١)، وضوء وظلام، وبرّ وآثام، ومطعم ومشرب، وملبس ومركب. مالي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون، أرضوا بالمقام فأقاموا، أم تركوا فناموا. وإله قسّ بن ساعدة ما على وجه الأرض دين أفضل من دين قد أظلَّكم زمانه، وأدرككم أوانه، فطوبى لمن أدركه فاتّبعه، وويل لمن خالفه. ثم أنشأ يقول:
  في الذّاهبين الأوّلي ... ن من القرون لنا بصائر
  لمّا رأيت مواردا ... للموت ليس لها مصادر
  ورأيت قومي نحوها ... يمضي الأصاغر والأكابر
  أيقنت أنّي لا محا ... لة حيث صار القوم صائر
  فقال النبيّ ﷺ: «يرحم اللَّه قسّا، إني لأرجو أن يبعث يوم القيامة أمّة وحده»(٢).
  قصة شعر منسوب إلى قس
  فقال رجل يا رسول اللَّه: لقد رأيت من قسّ عجبا. قال: وما رأيت؟ قال: بينا أنا بجبل(٣) يقال له سمعان(٤) في يوم شديد الحرّ، إذ أنا بقسّ بن ساعدة تحت ظلّ شجرة عند عين ماء، وعنده سباع، كلما زأر سبع منها على صاحبه ضربه بيده وقال: كفّ حتى يشرب الذي ورد قبلك. قال: ففرقت(٥)، فقال: لا تخف. / وإذا أنا بقبرين بينهما مسجد، فقلت له: ما هذان القبران؟ قال هذان قبرا أخوين كانا لي فماتا، فاتّخذت بينها مسجدا أعبد اللَّه جلّ وعزّ فيه حتّى ألحق بهما. ثم ذكر أيامهما فبكى، ثم أنشأ يقول:
  خليلي هبّا طالما قد رقدتما ... أجدّكما لا تقضيان كراكما
  ألم تعلما أنّي بسمعان مفرد ... ومالي فيه من حبيب سواكما
  أقيم على قبريكما لست بارحا ... طوال الليالي أو يجيب صداكما
  كأنّكما والموت أقرب غاية ... بجسمي في قبريكما قد أتاكما
  فلو جعلت نفس لنفس وقاية ... لجدت بنفسي أن تكون فداكما
  فقال النبيّ ﷺ: «يرحم اللَّه قسّا».
  الشعر السابق لعيسى بن قدامة
  وأما الحكاية عن يعقوب بن السكيت أنّ الشعر لعيسى بن قدامة الأسدي فأخبرني بها عليّ بن سليمان الأخفش، عن السكوني قال: قال يعقوب بن السكيت:
(١) تزهر: تتلألأ وتضئ.
(٢) الأمة: الرجل المنفرد بدين، كقوله تعالى: {إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً}. وجاء مثله الحديث أنه قال: «يبعث يوم القيامة زيد بن عمرو بن نفيل أمة على حدة». وذلك أنه كان تبرأ من أديان المشركين وآمن باللَّه قبل مبعث الرسول ﷺ.
(٣) إلى هنا ينتهي سقط ط الذي بدأ في ص ٢٤٥.
(٤) سمعان بالكسر: جبل في ديار بني تميم.
(٥) فرقت، بكسر الراء من الفرق، وهو الخوف والفزع.