كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر عمرو بن بانة

صفحة 182 - الجزء 15

  كنت عند عمرو بن بانة يوما ففتح باب داره فإذا بخادم أبيض شيخ قد دخل يقود بغلا له عليه مزادة، فلما رآه عمرو صرخ: لا إله إلا اللَّه، ما أعجب أمرك يا دنيا! فقلت له: مالك؟ قال: يا أبا عبد اللَّه⁣(⁣١)، هذا الخادم رزق غلام⁣(⁣٢) علَّوية المغني، الذي يقول فيه الحسين بن الضحاك الشاعر:

  يا ليت رزقا كان من رزقي ... يا ليته حظَّي من الخلق

  قد صار إلى ما ترى. ثم غنّاني لحنا له في هذا الشعر، فما سمعت أحسن منه منذ خلقت.

  نسبة هذا اللحن

  صوت

  يا ليست رزقا كان من رزقي ... يا ليته حظَّي من الخلق

  يا شادنا ملَّكته رقّي ... فلست أرجو راحة العتق

  الشعر للحسين بن الضحاك، والغناء لعمرو بن بانة، ولحنه من الثقيل الأول بالوسطى.

  ابتياع المتوكل له بيتا

  وقال علي بن محمد الهشامي: حدّثني جدّي - يعني ابن حمدون - قال: كنا عند المتوكَّل ومعنا عمرو بن بانة، في آخر يوم من شعبان فقال له عمرو: يا أمير المؤمنين، / جعلني اللَّه فداءك، تأمر لي بمنزل فإنه لا منزل لي يسعني. فأمر المتوكَّل عبيد اللَّه بن يحيى بأن يبتاع له منزلا يختاره. قال: وهجم / الصوم وشغل عبيد اللَّه، وانقطع عمرو عنا، فلما أهلّ شوال دعا بنا المتوكل فكان أول صوت غناه عمرو في شعر هذا:

  صوت

  ملَّاك ربّي الأعياد تخلقها ... في طول عمر يا سيد الناس⁣(⁣٣)

  دفعت عن منزل أمرت به ... فإنّني عنه مباعد خاس⁣(⁣٤)

  [فمر بتسليمه إليّ على ... رغم عدوّي بحرمة الكاس]⁣(⁣٥)

  أعوذ باللَّه والخليفة أن ... يرجع ما قتله على رأسي

  لحن عمرو في هذا الموضع هزج بالبنصر.

  فدعا المتوكَّل بعبيد اللَّه بن يحيى فقال له: لم دافعت عمرا بابتياع المنزل الذي كنت أمرتك بابتياعه؟ فاعتلّ بدخول الصوم وتشعّب الأشغال. فتقدّم إليه أن لا يؤخر ابتياع ذلك إليه، فابتاع له الدور التي في دور سرّ من رأى، بحضرة المعلَّى بن أيوب. وفيها توفي عمرو.


(١) ما عدا ط، ها، مب: «يا عبد اللَّه».

(٢) ط، مب: «خادم».

(٣) ملاك الأعياد: متعك بها وأعاشك معها طويلا. تخلقها: تبليها. ما عدا ط، ها، مب «تخلفها» بالفاء.

(٤) س: «رفعت» و «معبد». الخاسئ: المبعد.

(٥) هذا البيت من ط، ها، مب، ف فقط.