ذكر آدم بن عبد العزيز وأخباره
  وافتح دنّك فإن كان حامضا دبغ معدتك، وإن كان حلوا خرطك(١)، وإن كان مدركا فهو الذي أردت. / قلت: لا بارك اللَّه عليك. ومضيت، ثم أقلع بعد ذلك وتاب. فاستأذن يوما على يعقوب بن الربيع وأنا عنده فقال يعقوب:
  ارفعوا الشراب فإنّ هذا قد تاب وأحسبه يكره أن يراه. فرفع وأذن له، فلما دخل قال: {إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ}. قال يعقوب: هو الذي وجدت، ولكنّنا ظنّنا أن يثقل عليك لتركك الشراب. قال: إي واللَّه، إنّه ليثقل عليّ ذاك. قال: فهل قلت في ذلك شيئا منذ تركته؟ قال قتل:
  ألا هل فتى عن شربها اليوم صابر ... ليجزيه يوما بذلك قادر
  شربت فلمّا قيل ليس بنازع ... نزعت وثوبي من أذى اللَّوم طاهر
  هجاؤه لسليمان بن المختار، ولأسيد لطول لحيتهما
  أخبرني علي بن صالح بن الهيثم قال: حدّثني أبو هفان عن إسحاق قال:
  كان مع المهدي رجل من أهل الموصل يقال له سليمان بن المختار، وكانت له لحية عظيمة، فذهب يوما ليركب فوقعت لحيته تحت قدمه في الركاب فذهب عامّتها، فقال آدم بن عبد العزيز قوله:
  قد استوجب في الحكم ... سليمان بن مختار
  بما طوّل من لحي ... ته جزّا بمنشار
  أو السيف أو الحلق ... أو التحريق بالنار
  فقد صار بها أشه ... ر من راية بيطار(٢)
  فقال: ثم أنشدها عمر بن بزيغ المهديّ فضحك، وسارت الأبيات، فقال أسيد بن أسيد، وكان وافر اللحية:
  ينبغي لأمير المؤمنين أن يكفّ هذا الماجن عن الناس. فبلغت آدم بن عبد العزيز فقال:
  /
  لحية تمّت وطالت ... لأسيد بن أسيد
  / كشراع من عباء ... قطعت حبل الوريد(٣)
  يعجب الناظر منها ... من قريب وبعيد
  هي إن زادت قليلا ... قطعت حبل الوريد
  وقال: وكان المهديّ يدني آدم ويحبّه ويقرّبه، وهو الذي قال لعبد اللَّه بن علي لما أمر بقتله في بني أمية بنهر أبي فطرس(٤): إنّ أبي لم يكن كآبائهم، وقد علمت مذهبه فيكم. فقال: صدقت، وأطلقه. وكان طيّب النفس متصوّفا، ومات على توبة ومذهب جميل.
(١) يقال خرطه الداء، أي مشاه، وكذلك خرطه تخريطا.
(٢) ذكرها الثعالبي في «ثمار القلوب» ١٩٣. وأنشد هذا البيت.
(٣) كذا ورد هذا العجز لهذا البيت والبيت الرابع. ح، م: «لشراع».
(٤) نهر أبي فطرس، بضم الفاء والراء: موضع قرب الرملة من أرض فلسطين كانت به وقعة عبد اللَّه بن علي بن عبد اللَّه بن العباس مع بني أمية سنة ١٣٢. وفي الأصول ما عدا «ها»: «أبي قرطس»، تحريف.