ذكر متمم وأخباره وخبر مالك ومقتله
  مالكا، واللَّه يا أمير المؤمنين لقد أسرني حيّ من العرب فشدّوني وثاقا بالقد، وألقوني بفنائهم، فبلغه خبري فأقبل على راحلته حتى انتهى إلى القوم وهم جلوس في ناديهم، فلما نظر إليّ أعرض عنّي، ونظر القوم إليه فعدل إليهم، وعرفت ما أراد، فسلَّم عليهم وحادثهم وضاحكهم وأنشدهم، فو اللَّه إن زال كذلك حتّى ملأهم سرورا، وحضر غداؤهم فسأله ليتغدّى معهم فنزل وأكل، ثم نظر إليّ وقال: إنّه لقبيح بنا أن نأكل ورجل ملقّى بين أيدينا لا يأكل معنا! وأمسك يده عن الطعام. فلما رأى ذلك القوم نهضوا وصبّوا الماء على قدّى حتى لان وخلَّوني، ثم جاؤوا فأجلسوني معهم على الغداء، فلمّا أكلنا قال لهم: أما ترون تحرّم هذا بنا وأكله معنا، إنّه لقبيح بكم أن تردّوه إلى القدّ، فخلَّوا سبيلي فكان كما وصفت. وما كذبت في شيء من صفته إلا أنّي وصفته خميص البطن، وكان ذا بطن.
  مشاحنة زوجة متمم له
  أخبرني الحسن بن علي قال: حدّثنا أحمد بن نصر العتيقي قال: حدّثني محمد بن الحسن بن مسعود الزرقي، عن أبيه عن مروان بن موسى. ووجدت هذا الخبر أيضا في كتاب محمد بن علي بن حمزة العلويّ، عن علي بن محمد النوفلي عن أبيه:
  / أن عمر بن الخطاب قال لمتمّم بن نويرة: إنّكم أهل بيت قد تفانيتم، فلو تزوّجت عسى أن ترزق ولدا يكون فيه بقيّة منكم. فتزوّج امرأة بالمدينة فلم ترض أخلاقه لشدّة حزنه على أخيه، وقلَّة حفله بها، فكانت تماظَّه(١) وتؤذيه، فطلَّقها وقال:
  أقول لهند حين لم أرض فعلها ... أهذا دلال الحب أم فعل فارك(٢)
  أم الصرم ما تبغي، وكلّ مفارق ... يسير علينا فقده بعد مالك
  أخبرني محمد بن جعفر الصيدلاني النحوي قال: حدّثنا محمد بن موسى بن حماد قال: حدّثنا عبد اللَّه بن أبي سعد قال: حدّثني أحمد بن معاوية، عن سلمويه بن أبي صالح(٣)، عن عبد اللَّه بن المبارك عن نعيم بن أبي عمرو الرازيّ قال:
  بينا طلحة والزّبير يسيران بين مكَّة والمدينة إذ عرض لهما أعرابي، فوقفا ليمضي فوقف فتعجّلا ليسبقاه فتعجّل، فقالا: ما أثقلك يا أعرابيّ تعجّلنا لنسبقك فتعجّلت(٤)، فوقفنا لتمضي فوقفت؟ فقال: لا إله إلا اللَّه مفني أغدر الناس(٥)، أغدر بأصحاب محمد ﷺ؟ هباني خفت الضّلال فأحببت أن أستدلّ بكما؛ أو خفت الوحشة فأحببت أن أستأنس بكما. فقال طلحة: من أنت؟ قال: أنا متمم بن نويرة. فقال طلحة: وا سوأتاه، لقد مللنا غير مملول.
  هات بعض ما ذكرت في أخيك من البكاء. فزوّجوه أمّ خالد، فبينا هو واضع رأسه على فخذها إذ بكى فقالت:
  لا إله إلا اللَّه، أما تنسى أخاك. فأنشأ يقول:
  /
  أقول لها لما نهتني عن البكا ... أفي مالك تلحينني أمّ خالد
(١) في ح، أ، م: «تماطه»، وإنما هي بالظاء المعجمة. والمماظة: المنازعة والمخاصمة والمشاتمة.
(٢) الفارك: التي تفرك زوجها، تبغضه.
(٣) كذا في مب وفي ح، أ: «سلمويه أبي صالح».
(٤) ما عدا ها، مب: «فوقفت» تحريف.
(٥) أ: «معنى». وما عدا ح، ها: «أعدى الناس». والخبر مختصر في «الإصابة» في ترجمة متمم.