رجع الحديث إلى سياقه
  أم صرفانا باردا شديدا(١) ... أم الرجال جثّما قعودا
  فلما دخل آخر الجمال نخس البوّاب عكما من الأعكام بمنخسة معه، فأصابت خاصرة رجل فضرط، فقال البوّاب: «شرّ واللَّه عكمتم به في الجوالقات»(٢). فثاروا بأهل المدينة ضربا بالسيف، فانصرفت راجعة فاستقبلها عمرو بن عدي فضربها فقتلها، وقيل بل مصّت خاتمها وقالت: «بيدي لا بيد عمرو»، وخربت المدينة وسبيت الذراريّ، وغنم عمرو كلّ شيء كان لها ولأبيها وأختها، وقال الشعراء في ذلك تذكر ما كان من قصير في مشورته على جذيمة، وفي جدعه أنفه، فأكثروا. قال عديّ بن زيد:
  /
  ألا يأيّها المثري المرجّى ... ألم تسمع بخطب الأوّلينا(٣)
  دعا بالبقّة الأمراء يوما ... جذيمة ينتحي عصبا ثبينا(٤)
  فطاوع أمرهم وعصى قصيرا ... وكان يقول لو سمع اليقينا
  وهي طويلة. وقال المتلمس يذكر جدع قصير أنفه:
  /
  ومن حذر الأيام ما حزّ أنفه ... قصير وخاض الموت بالسيف بيهس(٥)
  وفي هذا المعنى أشعار كثيرة يطول ذكرها.
  كان جذيمة ملكا شاعرا
  وكان جذيمة الملك شاعرا، وإنّما قيل له الوضاح لبرص كان به، وكان يعظم أن يسمّى بذلك، فجعل مكانه الأبرش والوضّاح. وهو الذي يقول:
  والملك كان لذي نوا ... س حوله تردي يحابر(٦)
  بالسابغات وبالقنا ... والبيض تبرق والمغافر
  أزمان لا ملك يجي ... - ر ولا ذمام لمن يجاور
  أودى بهم غير الزما ... ن فمنجد منهم وغائر
  وهو الذي يقول:
(١) الصرفان: الرصاص القلعي، والموت، وبهما فسر بيت الزباء في «اللسان» (صرف)، ثم روى تفسيرا ثالثا لأبي عبيد، أن الصرفان:
ضرب من التمر. قال أبو عبيد: ولم يكن يهدي لها شيء أحب من التمر الصرفان. وأنشد:
ولما أنتها العير قالت أبارد ... من التمر أم هذا حديد وجندل.
(٢) كذا في ح، و «سيبويه» لا يجوز هذا الجمع. والجوالق، بضم الجيم يجمع على جوالق بفتحها، وكذلك على جواليق. ما عدا ح:
«في الجواليق».
(٣) في «مروج الذهب»: «أيها الملك المرجى».
(٤) البقة: موضع قرب الحيرة. ينتحي: يقصد. الثبون: جمع ثبة بضم ففتح، وهي الجماعة من الناس: «المروج» و «معجم البلدان»:
«ينجوهم» صوابه بالحاء. مب: «عصر ينحوهم ثبينا».
(٥) ويروى: «جز» بالجيم.
(٦) ذو نواس: أحد ملوك اليمن وأذوائهم. «المعارف» ٢٧٧ و «العمدة» (٢: ١٧٧). وفي معظم الأصول: «الذي براش» صوابه في ها ومب و «مروج الذهب». في ب، س: «يزري بجابر»، وفي ح: «بجاير» وفي «مروج الذهب»: «من ذي بحائر» وأثبت ما في مب.