نسب لبيد وأخباره
  النّطاسيّ: متطبّب(١) كان له، وإلى الربيع بن زياد فخلا بهم، فلما قدم الجعفريّون كانوا يحضرون النعمان لحاجتهم، فإذا خرجوا من عنده خلا به الربيع فطعن فيهم وذكر معايبهم، وكانت بنو جعفر له أعداء(٢)، فلم يزل بالنّعمان حتّى صدّه عنهم، فدخلوا عليه يوما فرأوا منه جفاء، وقد كان يكرمهم ويقرّبهم، فخرجوا غضابا ولبيد متخلَّف في رحالهم يحفظ متاعهم، ويغدو بإبلهم كلّ صباح يرعاها، فأتاهم ذات ليلة وهم يتذاكرون أمر الربيع، فسألهم عنه فكتموه، فقال: واللَّه لا حفظت لكم متاعا، ولا سرّحت لكم بعيرا أو تخبروني / فيم أنتم؟ وكانت أم لبيد يتيمة في حجر الربيع، فقالوا: خالك قد غلبنا على الملك وصدّ عنا وجهه. فقال لبيد: هل تقدرون على أن تجمعوا بيني وبينه فأزجره عنكم بقول ممضّ(٣) لا يلتفت إليه النعمان أبدا؟ فقالوا: وهل عندك شيء؟ قال: نعم.
  قالوا: فإنّا نبلوك. قال: وما ذاك؟ قالوا: تشتم هذه البقلة - وقدّامهم بقلة دقيقة القضبان، قليلة الورق، / لا صقة بالأرض، تدعى التّربة(٤) - فقال: «هذه التّربة التي لا تذكي نارا ولا تؤهل دارا، ولا وتسرّ جارا، عودها ضئيل، وفرعها كليل، وخيرها قليل، أقبح البقول مرعّى، وأقصرها فرعا، وأشدّها قلعا. بلدها شاسع، وآكلها جائع، والمقيم عليها قانع، فالقوا بي أخا عبس، أردّه عنكم بتعس، وأتركه من أمره في لبس». قالوا: نصبح ونرى فيك رأينا. فقال عامر: انظروا إلى غلامكم هذا - يعني لبيدا - فإن رأيتموه نائما فليس أمره بشيء، إنما هو يتكلَّم بما جاء على لسانه، وإن رأيتموه ساهرا فهو صاحبه. فرمقوه فوجدوه وقد ركب رحلا وهو يكدم وسطه(٥) حتّى أصبح، فقالوا: أنت واللَّه صاحبه. فعمدوا إليه فحلقوا رأسه وتركوا ذؤابته، وألبسوه حلَّة ثم غدا معهم وأدخلوه على النعمان، فوجدوه يتغدّى ومعه الربيع بن زياد، وهما يأكلان لا ثالث لهما، والدار والمجالس مملوءة من الوفود، فلما فرغ من الغداء أذن للجعفريّين فدخلوا عليه، وقد كان أمرهم تقارب، فذكروا الذي قدموا له من حاجتهم، فاعترض الربيع بن زياد في كلامهم، فقال لبيد في ذلك:
  أكلّ يوم هامتي مقزّعه ... يا ربّ هيجا هي خير من دعه
  نحن بني أمّ البنين الأربعة ... سيوف حزّ وجفان مترعه
  / نحن خيار عامر بن صعصعة ... الضاربون الهام تحت الخيضعة
  والمطمعون الجفنة المدعدعه(٦) ... مهلا أبيت اللَّعن لا تأكل معه
  إنّ استه من برص ملمّعه(٧) ... وإنّه يدخل فيها إصبعه
  يدخلها حتّى يواري أشجعه(٨) ... كأنّه يطلب شيئا ضيعه
(١) المتطبب: «الذي يعاني الطب. وفي معظم الأصول:» متطيب «صوابه في مب، ها، ف.
(٢) في معظم الأصول: «لهم أعداء» صوابه في مب، ها، ف.
(٣) في معظم الأصول: «محيص» صوابه في مب، ها، ف.
(٤) التربة بكسر الراء وفتحها: شجرة شاكة وثمرتها كأنها بسرة معلقة. «اللسان» (ترب). ف، س: «الثربة» ومعظم الأصول: «الثرية» وأثبت ما في مب.
(٥) الكدم: العض.
(٦) المدعدعة: المملوءة.
(٧) الملمعة: ذات اللمع. واللمعة: كل لون خالف لونا.
(٨) الأشجع: مغرز الإصبع.