أخبار شارية
  نكن تطرح بعد ذلك صوتا إلا نقصت من نغمه. وكان المعتمد قد تعشق شرة جاريتها، وكانت أكمل الناس ملاحة وخفة روح، وعجز عن شرائها. فسأل أمّ المعتز أن تشتريها له، فاشترتها من شارية بعشرة آلاف دينار، وأهدتها إليه. ثم تزوّجت بعد وفاة المعتمد بابن البقال المغني، وكان يتعشقها. فقال عبد اللَّه بن المعتز، وكان يتعشقها:
  أقول وقد ضاقت بأحزانها نفسي ... ألا رب تطليق قريب من العرس
  لئن صرت للبقال ياشر زوجة ... فلا عجب قد يربض(١) الكلب في الشمس
  ابن وصيف يودع جوهره عندها
  وقال يعقوب بن بنان: كانت شارية خاصة بصالح بن وصيف. فلما بلغه رحيل موسى بن بغا من الجبل يريده، بسبب قتله المعتز، أودع شارية جوهره. فظهر لها جوهر كثير بعد ذلك. فلما أوقع موسى بصالح، استترت شارية عند هارون بن شعيب العكبري(٢)، وكان أنظف خلق اللَّه طعاما، وأسراه مائدة، وأوسخه(٣) كل شيء بعد ذلك؛ وكان له بسر من رأى منزل، فيه بستان كبير، وكانت شارية تسميه أبي، وتزوره إلى منزله. فتحمل معها كل شيء تحتاج إليه، حتى الحصير الذي تقعد عليه.
  من أكرم الناس
  قال: وكانت شارية من أكرم الناس، عاشرها(٤) أبو الحسن علي بن الحسين عند هارون هذا، ثم أضاق في وقت، فاقترض منها على غير رهن، عشرة آلاف دينار، ومكثت عليه أكثر من سنة، ما أذكرته بها، ولا طالبته، حتى ردّها ابتداء(٤).
  تحزب أهل سر من رأى للمغنين
  قال يعقوب بن بنان: وكان أهل(٥) سر من رأى متحازبين، فقوم مع شارية، وقوم مع عريب، لا يدخل أصحاب هذه مع هؤلاء، ولا أصحاب هذه في هؤلاء. فكان أبو الصقر إسماعيل بن بلبل(٦) عريبيا، فدعا عليّ بن الحسين يوم جمعة أبا الصقر إسماعيل بن بلبل، وعنده عريب وجواريها. فاتصل الخبر بشارية، فبعثت بجواريها إلى عليّ بن الحسين بعد يوم أو يومين، وأمرت إحداهن، وما أدري من هي: مهرجان، أو مطرب، أو قمرية، إلا أنها إحدى الثلاثة، أن تغني قوله:
  لا تعودنّ بعدها ... فترى كيف أصنع
  فلما سمع عليّ الغناء ضحك، وقال: لست أعود.
(١) أ، م: يركض.
(٢) كذا في ف، مب، وفي «نهاية الأرب». وفي الأصول: العكري.
(٣) كذا في ف، مب، و «نهاية الأرب». وفي الأصول: وأسخاه في.
(٤ - ٤) العبارة ساقطة من جميع الأصول، ما عدا ف، مب، و «نهاية الأرب».
(٥) أهل: زيادة عن س يقتضيها السياق. وفي «نهاية الأرب»: الناس بسر من رأى.
(٦) هو أبو الصقر إسماعيل بن بلبل أحد وزراء الخليفة المعتمد (٢٦٥ - ٢٧٧).