أخبار محمد بن بشير الخارجي ونسبه
  ثم انتظرهما، فأبطأتا عليه. وخالفته سحابة إليهما، فأقامتا، وقالتا: يبلغ إلى غنمه ثم يأتينا. فجعل يصعد في الجبل وينزل، يتبصرهما فلا يراهما. فبينما هو كذلك إذ أبصر امرأتين قد نزلتا(١)، فقال: أنزل فأتحدّث إليهما، فإذا هو بامرأة مسنة، ومعها بنت لها شابة، فأعجبته، فقال لها: أتزوّجينني ابنتك هذه؟ قالت: إن كنت كفؤا. فانتسب لها، فقالت: أعرف النسب ولا أعرف الوجه، ولكن يأتي أبوها. فجاء أبوها فعرفه، فأخبرته امرأته بما طلب. فقال:
  نعم، وزوّجه إياها. فساق إليها قطعة من غنمه، ثم بنى بها، وانتظر، فلم ير زوجتيه تقدمان عليه، فارتحل إليهما بزوجته وبقية غنمه. فلما طلع عليهما وقف، فأخذ بيدها، ثم أنشأ يقول:
  كأني موف للهلال عشية ... بأسفل ذات القشع منتظر القطر
  وأنتن تلبسن(٢) الجديدة بعدما ... طردت بطيّ الوطب في البلق والعفر
  فكان الذي فلتن أعدد بضاعة ... لناهد بيضاء الترائب والنحر
  كأنّ سموط الدر منها معلق ... بجيداء في ضال بوجرة أو سدر
  تكون بلاغا ثم لست بمخبر ... إذا وديت لي ما وددتن من أمري
  فارقته المزنية فقال فيها شعرا
  أخبرني الحسن(٣) بن عليّ، قال: حدّثنا أحمد بن زهير، قال: حدّثني مصعب، قال: حدّثني أحمد بن زهير؛ وحدّثني الزبير بن بكار، قال: حدّثني سليمان بن عياش، قالا:
  / كان محمد بن بشير يتحدّث إلى امرأة من مزينة، وكان قومها قد جاوروهم، ثم جاء الربيع، وأخصبت بلاد مزينة، فارتحلوا، فقال محمد بن بشير:
  لو بيّنت لك قبل يوم فراقها ... أن التفرّق من عشية أو غد
  لشكوت إذ علق الفؤاد بهائم ... علق حبائل هائم لم يعهد
  وتبرجت لك فاستبتك بواضح ... صلت وأسود في النصيف معقّد(٤)
  بيضاء خالصة البياض كأنها ... قمر توسط ليل صيف مبرد
  موسومة بالحسن ذات حواسد ... إن الجمال مظنة للحسّد
  لم يطغها سرف الشباب ولم تضع ... عنها معاهدة النصيح المرشد(٥)
  خود إذا كثر الكلام تعوّذت ... بحمى الحياء وإن تكلم تقصد
(١) ف، مب: قوما قد نزلوا.
(٢) ف، مب: تبلين.
(٣) الحسن: كذا في ف، مب. وفي سائر النسخ: الحسين.
(٤) هذا البيت عن ف، مب.
(٥) كذا روي البيت في ف، مب. وفي سائر النسخ:
لم يطرها ... ولم يضع ... فيها معاشرة ...
ومعاهدة النصيح: تعهده إياها بالنصيحة.