كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

مقدمة المؤلف

صفحة 40 - الجزء 1

  وغيره - من أن نأتي بكلّ ما أتى به المصنّفون والرواة منها على كثرة حشوه وقلَّة فائدته، وفي هذا نقض ما شرطناه من إلغاء الحشو، أو أن⁣(⁣١) نأتي ببعض ذلك فينسب الكتاب إلى قصور عن مدى غيره. وكذلك تجري أخبار الشعراء. فلو أتينا بما غنّي به شعر شاعر منهم ولم نتجاوزه حتى نفرغ منه، لجرى هذا المجرى، وكانت للنفس عنه نبوة، وللقلب منه ملَّة، وفي طباع البشر محبة الانتقال من شيء إلى شيء، والاستراحة من معهود إلى مستجدّ.

  وكلّ منتقل إليه أشهى إلى النفس من المنتقل عنه، والمنتظر⁣(⁣٢) أغلب على القلب من الموجود. وإذا كان هذا هكذا، فما رتّبناه أحلى وأحسن، ليكون القارئ له بانتقاله من خبر إلى غيره، ومن قصة إلى سواها، ومن أخبار قديمة إلى محدثة، ومليك إلى سوقة، وجدّ إلى هزل، أنشط لقراءته وأشهى لتصفّح فنونه، لا سيّما والذي ضمّنّاه إيّاه أحسن جنسه، وصفو ما ألَّف في بابه، ولباب ما جمع في معناه.

  وكلّ ما ذكرنا فيه من نسب الأغاني إلى أجناسها فعلى مذهب إسحاق بن إبراهيم الموصليّ وإن كانت رواية النسبة عن غيره؛ إذ كان مذهبه هو المأخوذ به اليوم دون / [مذهب]⁣(⁣٣) من خالفه، مثل إبراهيم بن المهديّ، ومخارق وعلَّوية وعمرو بن بانة ومحمد بن الحارث بن بسخنّر⁣(⁣٤) ومن وافقهم؛ فإنهم يسمّون الثّقيل الأوّل وخفيفه الثقيل الثاني وخفيفه، ويسمّون الثقيل الثاني وخفيفه الثقيل الأوّل وخفيفه، وقد اطَّرح ما قالوه الآن وترك، وأخذ الناس بقول إسحاق.

  الباعث لأبي الفرج على تأليف الكتاب

  قال مؤلف هذا الكتاب: والذي يعثني على تأليفه أنّ رئيسا من رؤسائنا كلَّفني جمعه له، وعرّفني أنه بلغه أن الكتاب⁣(⁣٥) المنسوب إلى إسحاق مدفوع أن يكون من تأليفه، وهو مع ذلك قليل الفائدة، وأنه شاكّ في نسبته⁣(⁣٦)؛ لأن أكثر أصحاب إسحاق ينكرونه، ولأن ابنه حمّادا أعظم الناس إنكارا لذلك. وقد لعمري صدق فيما ذكره، وأصاب فيما أنكره.

  أخبرني محمد بن خلف وكيع قال: سمعت حمّادا يقول: ما ألَّف أبي هذا الكتاب قطَّ ولا رآه. والدليل على ذلك أنّ أكثر أشعاره المنسوبة التي جمعت فيه إلى ما ذكر معها من الأخبار ما غنّى فيه أحد قطَّ، وأنّ أكثر نسبه إلى المغنّين خطأ؛ والذي ألَّفه أبي من دواوين الغناء⁣(⁣٧) يدلّ على بطلان هذا الكتاب، وإنما وضعه ورّاق كان لأبي بعد وفاته، سوى الرّخصة⁣(⁣٨) التي هي أوّل الكتاب؛ فإن أبي | ألَّفها؛ / لأن أخبارها كلَّها من روايتنا. هذا ما سمعته من أبي بكر حكاية [فحفظته]⁣(⁣٩) واللفظ يزيد وينقص.


(١) في الأصول: «وأن» تحريف.

(٢) في م، ء، أ: «والمبتكر».

(٣) زيادة في ت.

(٤) كذا يرد هذا الاسم في نسخة ط التي سيأتي وصفها في الجزء الثاني. وقد صححه كذلك بهذا الضبط الأستاذ الشنقيطي بهامش نسخته. وفي ت، ح، ر: «بشخير» وفي سائر النسخ: «شخير».

(٥) هو كتاب «الأغاني الكبير» كما في «فهرست ابن النديم» طبع ليبزج ص ١٤١.

(٦) كذا في ب، س. وفي سائر النسخ: «نسبه».

(٧) كذا في أ، م، ء وفيهما عن نسخة أخرى «الشعراء». وفي ت: «غنائهم». وفي باقي النسخ: «غنائه».

(٨) قال في «الفهرست»: «وهذا الكتاب (يريد كتاب» الأغاني الكبير «) يعرف في القديم بكتاب» الشركة «، وهو أحد عشر جزءا لكل جزء أوّل يعرف به؛ فالجزء الأول من الكتاب» الرخصة «وهو تأليف إسحاق لا شك فيه ولا خلف».

(٩) هذه الكلمة ساقطة من ب، س، ح، ر.