أخبار الحسين بن علي ونسبه
  مغاضبة زيد عمرو العثماني لسكينة
  قال ابن زيد أخبرني محمد بن يحيى عن ابن شهاب الزهريّ قال:
  ذكر أن زيد: بن عمرو بن عثمان العثماني خرج إلى مال له مغاضبا لسكينة، وعمر بن عبد العزيز يومئذ والي المدينة، فأقام سبعة أشهر، فاستعدته سكينة على زيد، وذكرت غيبته مع ولائده سبعة أشهر، وأنها شرطت عليه أنه إن مس امرأة، أو حال بينها وبين شيء من ماله، أو منعها مخرجا تريده، فهي خلية(١)، فبعث إليه عمر فأحضره، وأمر ابن حزم أن ينظر بينهما.
  / قال: حدّثني أبو بكر بن عبد اللَّه، قال: بعثني عمر، وبعث معي محمد بن معقل بن يسار الأشجعي، إلى ابن حزم، وقال: اشهدا قضاءه، فدخلنا عليه وعنده زيد جالس، وفاطمة امرأة ابن حزم في الحجلة(٢) جالسة، وجاءت سكينة، فقال ابن حزم: أدخلوها وحدها. فقالت: واللَّه لا أدخل إلا ومعي ولائدي، فأدخلن معها، فلما دخلت قالت: يا جارية اثني لي هذه الوسادة. ففعلت، وجلست عليها، ولصق زيد بالسرير، حتى كان يدخل في جوفه خوفا منها. فقال لها ابن حزم: يابنة الحسين، إن اللَّه ø يحب القصد في كل شيء، فقالت له: وما أنكرت مني، إني وإياك واللَّه كالذي يرى الشعرة في عين صاحبه، ولا يرى الخشبة في عينه. فقال لها: أما واللَّه لو كنت رجلا لسطوت بك. فقالت له: يا بن فرتنى ألا تزال لتوعدني؟ وشتمته وشتمها. فلما بلغا ذلك قال ابن أبي الجهم العدوي: ما بهذا أمرنا، فأمض الحكم ولا تشاتم. فقالت لمولاة لها: من هذا؟ قالت: أبو بكر بن عبد اللَّه بن أبي الجهم. فقالت: لا أراك(٣) ههنا وأنا أشتم بحضرتك. ثم هتفت برجال قريش، وحضت ابن أبي الجهم، وقالت: أما واللَّه لو كان أصحاب الحرّة أحياء لقتلوا هذا العبد اليهودي عند شتمه إياي، أي عدوّ اللَّه، تشتمني وأبوك الخارج مع يهود صبابة بدينهم لما أخرجهم رسول اللَّه ﷺ إلى أريحاء، يا بن فرتنى. قال: وشتمها وشتمته.
  قال: ثم أحضرنا زيدا، فكلمها وخضع لها، فقالت: ما أعرفني بك يا زيد، واللَّه لا تراني أبدا، أتراك تمكث مع جواريك سبعة أشهر لا تقربهن؟ املأ عينك / الآن مني، فإنك لا تراني(٤) بعد الليلة أبدا، وجعلت تردد هذا القول ومثله، فكلما تكلمت ترفث(٥) لابن حزم وامرأته في الحجلة، وهو يقلق لسماع امرأته ذلك فيه. ثم حكم بينهما بأن سكينة إن جاءت ببينة على ما ادّعته، وإلا فاليمين على زيد. فقامت وقالت لزيد، يا بن عثمان: تزوّد مني بنظرة، فإنك واللَّه لا تراني بعد الليلة أبدا، وابن حزم صامت. ثم خرجنا وجئنا إلى عمر بن عبد العزيز وهو ينتظرنا في وسط الدار في ليلة شاتية، فسألنا عن الخبر، فأخبرناه، فجعل يضحك حتى أمسك بطنه، ثم دعا زيدا من غد، فأحلفه وردّ سكينة عليه.
(١) خلية: كتابة عن مطلقة.
(٢) الحجلة: مقصورة تجلس فيها النساء، وتزين بالثياب والستور.
(٣) ف، مب: ألا أراك ... الخ.
(٤) كذا في ف. وفي مب. سبعة أشهر ثم تطمع في، إملأ عينيك الآن مني فإنك لن تراني. وفي بقية الأصول: سبعة أشهر ثم أعود إليك. واللَّه لا تراني.
(٥) كذا في ف، أي تفحش في القول. وفي بقية الأصول: برقت.