أخبار كعب بن مالك الأنصاري ونسبه
  لكن غذاها اللبن الحرّيف ... والمخض والقارص والصّريف
  قال: فاحتفظت الأنصار حيث ذكر المد والتمر، فقالوا لكعب بن مالك: انزل، فنزل، فقال:
  لم يغذها مدّ ولا نصيف ... لكن غذاها الحنظل النّقيف
  ومذقة كطرّة الخنيف ... تبيت بين الزّرب والكنيف(١)
  فقال رسول اللَّه ﷺ: اركبا.
  أخبرني الجوهريّ والمهلَّبي قالا: حدثنا عمر بن شبّة قال: حدثنا هوذة بن خليفة قال: حدثنا عوف بن محمد، عن محمد بن سيرين، في حديث طويل قال:
  المهاجمون لقريش من شعراء الأنصار
  كان يهجوهم يعني قريشا، ثلاثة نفر من الأنصار يجيبونهم: حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وعبد اللَّه بن رواحة. وكان حسّان وكعب يعارضانهم بمثل قولهم، بالوقائع والأيام والمآثر، ويعيرانهم بالمثالب، وكان عبد اللَّه بن رواحة يعيّرهم بالكفر، وينسبهم إليه، ويعلم أن ليس فيهم شيء شرّ من الكفر، فكانوا في ذلك الزمان أشدّ شيء عليهم قول حسان وكعب، وأهون شيء عليهم قول ابن رواحة، فلما أسلموا وفقهوا الإسلام، كان أشد القول عليهم قول ابن رواحة.
  يستأذن الرسول في هجاء قريش
  أخبرني الجوهريّ والمهلَّبيّ قالا: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثنا عبد اللَّه بن بكر السّهميّ قال: حدثني حاتم بن أبي صغيرة قال: حدثنا سماك بن حرب قال:
  أتي رسول اللَّه ﷺ فقيل: إن أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يهجوك، فقام ابن رواحة، فقال: يا رسول اللَّه ائذن لي فيه. فقال له: أنت الذي تقول: فثبّت اللَّه؟ قال: نعم يا رسول اللَّه، أنا الذي أقول:
  فثبت اللَّه ما أعطاك من حسن ... تثبيت موسى، ونصرا كالذي نصرا
  فقال: وأنت فعل اللَّه بك مثل ذلك. قال: فوثب كعب بن مالك فقال: يا رسول اللَّه، ائذن لي فيه. فقال: أنت الذي تقول: همّت؟ قال: نعم يا رسول اللَّه، أنا الذي أقول:
  همت سخينة أن تغالب ربّها ... وليغلبنّ مغالب الغلَّاب(٢)
  فقال: أما إن اللَّه لم ينس لك ذلك.
  الرسول يحكم بحسن شعره
  أخبرني الجوهريّ والمهلبيّ قالا: حدّثنا عمر بن شبّة قال: حدّثنا عبد اللَّه بن يحيى مولى ثقيف قال: حدّثنا عبد الواحد بن زياد قال: حدّثنا مجالد، عن الشعبيّ قال:
(١) المذقة: الشربة من اللبن الممزوج. والطرة: الحاشية. والخنيف: نوع غليظ من أردأ الكتان. شبه بحاشيته اللبن الممزوج في لونه، لتغير لونه وذهابه بالمزج. والزرب: الحظيرة تأوي إليها الأغنام. والكنيف: الموضع الساتر. يريد أنها تعلف في الحظائر والبيوت، لا بالكلأ في المراعي. ويلاحظ أن البيتين الأخيرين من الرجز فيهما إقواء.
(٢) سخينة: طعام من دقيق وسمن أو دقيق وتمر أغلظ من الحساء. وكانت قريش تكثر من أكلها فعيرت بها، حتى سموا سخينة.