أخبار الرقاشي ونسبه
  رثاؤه جعفر بن يحيى البرمكي
  أنه(١) لما دارت الدوائر على آل برمك، وأمر بقتل جعفر بن يحيى وصلب، اجتاز به الرّقاشيّ الشاعر وهو على الجذع، فوقف يبكي أحرّ بكاء، ثم أنشأ يقول:
  أما واللَّه لولا خوف واش ... وعين للخليفة لا تنام
  لطفنا حول جذعك واستلمنا ... كما للناس بالحجر استلام
  فما أبصرت قبلك يا بن يحيى ... حساما قدّه(٢) السيف الحسام
  على اللذات والدنيا جميعا ... ودولة آل برمك السلام
  فكتب أصحاب الأخبار بذلك إلى الرشيد، فأحضره، فقال له: ما حملك على ما قلت؟ فقال: يا أمير المؤمنين، كان إليّ محسنا، فلما رأيته على الحال التي هو عليها حركني إحسانه، فما ملكت نفسي حتى قلت الذي قلت. قال: وكم كان يجري عليك؟ قال: ألف دينار في كل سنة. قال: فإنا قد أضعفناها لك.
  شعره في أصدقائه المتفرقين
  أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ أبو دلف، قال: حدثنا الرّياشيّ قال:
  كان الفضل الرّقاشيّ يجلس إلى إخوان له يحادثهم، ويألفونه ويأنسون به، فتفرقوا في طلب المعاش، وترامت بهم الأسفار، فمر الرقاشيّ بمجلسهم الذي كانوا يجلسون فيه، فوقف فيه طويلا، ثم استعبر وقال:
  لولا التطيّر قلت غيّركم ... ريب الزمان فخنتم عهدي
  درست معالم كنت آلفها ... من بعدكم وتغيرت عندي
  يعشق بأذنه
  أخبرني محمد بن جعفر الصّيدلانيّ النحويّ قال: حدثنا محمد(٣) بن القاسم قال: حدثني أبو هفان، عن يوسف بن الداَّية قال:
  / كان أبو نواس والفضل الرّقاشي جالسين، فجاءهما عمرو الوراق، فقال: رأيت جارية خرجت من دور آل سليمان بن عليّ، فما رأيت جارية أحسن منها، هيفاء نجلاء، زجّاء دعجاء، كأنها خوط بان، أو جدل عنان، فخاطبتها فأجابتني بأحلى لفظ، وأحسن لسان، وأجمل خطاب. فقال الرقاشيّ: قد واللَّه عشقتها، فقال أبو نواس:
  أو تعرفها؟ قال: لا واللَّه، ولكن بالصفة، ثم أنشأ يقول:
  صفات وظنّ أورثا القلب لوعة ... تضرّم في أحشاء قلب متيّم(٤)
  تمثّلها نفسي لعيني فأنثني ... إليها بطرف الناظر المتوسّم
(١) ف، مب: لما قتل جعفر بن يحيى وصلب ...
(٢) كذا في ف، مب. وفي بقية الأصول: حتفه.
(٣) ف، مب: أحمد.
(٤) كذا في ف، مب. وفي بقية الأصول: وحسن. وفي مب: صب متيم.