أخبار ربيعة الرقي ونسبه
  كان السبب في غضب الرشيد على العباس بن محمد
  أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدثنا أحمد بن الحارث عن المدائنيّ قال:
  امتدح ربيعة الرقيّ العباس بن محمد بن عليّ بن عبد اللَّه بن العباس، بقصيدة لم يسبق إليها حسنا، وهي طويلة يقول فيها:
  صوت
  لو قيل للعباس يا بن محمد ... قل: (لا) وأنت مخلَّد ما قالها
  ما إن أعدّ من المكارم خصلة ... إلا وجدتك عمها أو خالها
  / وإذا الملوك تسايروا في بلدة ... كانوا كواكبها وكنت هلالها(١)
  إن المكارم لم تزل معقولة ... حتى حللت براحتيك عقالها
  / في البيت الأول والبيت الأخير خفيف رمل بالوسطى، يقال إنه لإبراهيم. ويقال إنه للحسين بن محرز.
  قال: فبعث إليه بدينارين، وكان يقدّر فيه ألفين، فلما نظر إلى الدينارين كاد يجن(٢) غيظا، وقال للرسول:
  خذ الدينارين، فهما لك، على أن ترد الرقعة من حيث لا يدري العباس، ففعل الرسول ذلك، فأخذها ربيعة، وأمر من كتب في ظهرها:
  مدحتك مدحة السيف المحلَّى ... لتجري في الكرام كما جريت
  فهبها مدحة ذهبت ضياعا(٣) ... كذبت عليك فيها وافتريت
  فأنت المرء ليس له وفاء ... كأني إذ مدحتك قد رثيت
  ثم دفعها إلى الرسول، وقال له ضعها في الموضع الذي أخذتها منه. فردها الرسول في موضعها. فلما كان من الغد أخذها العباس، فنظر فيها، فلما قرأ الأبيات غضب، وقام من وقته، فركب إلى الرشيد، وكان أثيرا عنده، يبجّله ويقدمه، وكان قد همّ أن يخطب إليه ابنته، فرأى الكراهة في وجهه، فقال: ما شأنك؟ قال: هجاني ربيعة الرّقيّ.
  فأحضر، فقال له الرشيد: يا ماصّ كذا وكذا من أمه، أتهجو عمي، وآثر الخلق عندي، لقد هممت أن أضرب عنقك. فقال: واللَّه يا أمير المؤمنين، لقد مدحته بقصيدة ما قال مثلها أحد من الشعراء، في أحد من الخلفاء، ولقد بالغت في الثناء، وأكثرت في الوصف، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمره بإحضارها. فلما سمع الرشيد ذلك منه سكن غضبه، وأحب أن ينظر في القصيدة، فأمر / العباس بإحضار الرقعة، فتلكأ عليه العباس ساعة، فقال له الرشيد: سألتك بحق أمير المؤمنين إلا أمرت بإحضارها، فعلم العباس أنه قد أخطأ وغلط، فأمر بإحضارها فأحضرت، فأخذها الرشيد وإذا فيها القصيدة بعينها، فاستحسنها واستجادها، وأعجب بها، وقال: واللَّه ما قال أحد من الشعراء في أحد من الخلفاء مثلها، لقد صدق ربيعة وبرّ. ثم قال للعباس: كم أثبته عليها؟ فسكت العباس:
  وتغير لونه، وجرض بريقه، فقال ربيعة: أثابني عليها يا أمير المؤمنين بدينارين، فتوهم الرشيد أنه قال ذلك من
(١) مب: وأنت هلالها.
(٢) ف، مب: غضبا.
(٣) ف: ضلالا.