أخبار ربيعة الرقي ونسبه
  الموجدة على العباس، فقال: بحياتي يا رقيّ، كم أثابك؟ قال: وحياتك يا أمير المؤمنين ما أثابني إلا بدينارين.
  فغضب الرشيد غضبا شديدا، ونظر في وجه العباس بن محمد، وقال: سوءة لك! أية حال قعدت بك عن إثابته؟
  أقلة المال؟ فو اللَّه لقد موّلتك جهدي؛ أم انقطاع المادة عنك؟ فو اللَّه ما انقطعت عنك، أم أصلك؟ فهو الأصل لا يدانيه شيء، أم نفسك؟ فلا ذنب لي، بل نفسك فعلت ذلك بك، حتى فضحت أباك وأجدادك، وفضحتني ونفسك.
  فنكس العباس رأسه ولم ينطق. فقال الرشيد: يا غلام، أعط ربيعة ثلاثين ألف درهم وخلعة، واحمله على بغلة، فلما حمل المال بين يديه، وألبس الخلعة، قال له الرشيد: بحياتي يا رقيّ لا تذكره في شيء من شعرك تعريضا ولا تصريحا، وفتر الرشيد عما كان هم به أن يتزوج إليه، وظهر منه له بعد ذلك جفاء كثير واطَّراح.
  يعبث بالعباس بن محمد
  أخبرني عليّ بن صالح بن الهيثم قال: حدثني أحمد بن أبي فنن الشاعر، قال: حدثني من لا أحصي من الجلساء:
  أن ربيعة الرقيّ كان لا يزال يعبث بالعباس بن محمد بحضرة الرشيد، العبث الذي / يبلغ منه، منذ جرى بينهما في مديحه إياه ما جرى، من حيث لا يتعلق عليه / فيه بشيء، فجاء العباس يوما إلى الرشيد ببرنيّة فيها غالية، فوضعها بين يديه، ثم قال: هذه يا أمير المؤمنين غالية، صنعتها لك بيدي، اختير عنبرها من شحر عمان، ومسكها من مفاوز التّبّت، وبانها من قعر تهامة؛ فالفضائل كلها مجموعة فيها، والنعت يقصر عنها.
  فاعترضه ربيعة، فقال: ما رأيت أعجب منك، ومن صفتك لهذه الغالية، عند من إليه كل موصوف يجلب، وفي سوقه ينفق، وبه إليه يتقرّب، وما قدر غاليتك هذه، أعزك اللَّه، حتى تبلغ في وصفها ما بلغت، أأجريت بها إليه نهرا، أم حملت إليه منها وقرا! إن تعظيمك هذا عند من تجبى إليه خزائن الأرض وأموالها من كل بلدة، وتذل لهيبته جبابرة الملوك المطيعة والمخالفة، وتتحفه بطرف بلدانها، وبدائع ممالكها، حتّى كأنك قد فقت به على كل ما عنده، أو أبدعت له ما لا يعرفه، أو خصصته بما لم يحوه ملكه، لا تخلو فيه من ضعف أو قصر همة. أنشدك اللَّه يا أمير المؤمنين، إلا جعلت حظي من كل جائزة وفائدة توصلها إليّ مدة سنتي هذه الغالية، حتى أتلقاها بحقها.
  فقال: ادفعوها إليه، فدفعت إليه. فأدخل يده فيها، وأخرج ملئها، وحل سراويله، وأدخل يده فطلى بها استه، وأخذ حفنة أخرى، وطلى بها ذكره وأنثييه، وأخرج حفنتين، فجعلهما تحت إبطيه، ثم قال: يا أمير المؤمنين، مر غلامي أن يدخل إليّ، فقال: أدخلوه إليه، وهو يضحك، فأدخلوه إليه فدفع إليه البرنية غير مختومة، وقال: اذهب إلى جاريتي فلانة بهذه البرنية، وقل لها: طيبي بها حرك واستك وإبطيك، حتى أجيء الساعة وأنيكك، فأخذها الغلام ومضى وضحك الرشيد حتى غشي عليه، وكاد العباس يموت غيظا، ثم قام فانصرف، وأمر الرشيد لربيعة بثلاثين ألف درهم(١).
  شعره يطرز على بساط
  وذكر علي بن الحسين بن عبد الأعلى، أنه رأى قصيدة لربيعة الرقيّ مكتوبة في دور بساط من بسط السلطان قديم، وكان مبسوطا في دار العامة بسرّ من رأى، فنسخها منه، وهي قوله:
(١) كذا في ف، مب. وفي سائر الأصول: وأمر الرشيد العباس أن يبعث لربيعة بثلاثين ألف درهم.