الخبر في هذه القصة، وسبب منافرة عامر وعلقمة وخبر الأعشى وغيره معهما فيها
  وأنشر من تحت القبور أبوّة ... كراما هم شدّوا عليّ التّمائما
  لعبت على أكتافهم وحجورهم ... وليدا وسمّوني مفيدا(١) وعاصما
  ألا أينا ما كان شرا لمالك ... فلا زال في الدنيا ملوما ولائما
  قال: ووثب الحطيئة، فقال:
  ما يحبس الحكَّام بالفصل(٢) بعدما ... بدا سابق ذو غرّة وحجول
  / وقال أيضا:
  يا عام قد كنت ذا باع ومكرمة ... لو أن مسعاة من جاريته أمم
  جاريت قرما أجاد الأحوصان به ... سمح اليدين وفي عرنينه شمم
  لا يصعب الأمر إلا ريث(٣) يركبه ... ولا يبيت على مال له قسم
  هابت بنو مالك مجدا ومكرمة ... وغاية كان فيها الموت لو قدموا
  وما أساؤا فرارا عن مجلَّحة(٤) ... لا كاهن يمتري فيها ولا حكم
  رفق الحكم ودهاؤه
  قال: وأقام القوم عنده أياما، وأرسل إلى عامر، فأتاه سرا، لا يعلم به علقمة فقال: يا عامر، قد كنت أرى لك رأيا، وأن فيك خيرا، وما حبستك هذه الأيام إلا لتنصرف عن صاحبك. أتنافر رجلا لا تفخر أنت وقومك إلا بآبائه؟ فما الذي أنت به خير منه؟
  قال عامر: أنشدك اللَّه والرّحم أن لا تفضّل عليّ علقمة، فو اللَّه لئن فعلت لا أفلح بعدها أبدا. هذه ناصيتي فاجزرها. واحتكم في مالي، فإن كنت لا بدّ فاعلا فسوّ بيني وبينه. قال: انصرف، فسوف أرى رأيي. فخرج عامر وهو لا يشك أنه ينفّره عليه.
  ثم أرسل إلى علقمة سرّا، لا يعلم به عامر، فأتاه فقال: يا علقمة، واللَّه إن كنت لأحسب فيك خيرا، وأن لك رأيا، وما حبستك هذه الأيام إلا لتنصرف عن صاحبك. أتفاخر رجلا هو ابن عمك في النسب؟ وأبوه أبوك، وهو مع هذا أعظم قومك غناء، وأحمدهم لقاء؟ فما الذي أنت به خير منه؟ فقال له علقمة: أنشدك اللَّه والرّحم ألَّا تنفّر عليّ عامرا. اجزز ناصيتي، واحتكم في مالي، / وإن كنت لا بد أن تفعل فسوّ بيني وبينه. فقال: انصرف فسوف أرى رأيي. فخرج وهو لا يشك أنه سيفضّل عليه عامرا.
  قال أبي: وسمعت أن هرما قال لعامر حين دعاه: يا عامر، كيف تفاضل علقمة؟ فقال عامر: ولم يا هرم؟
وشرحه فيه، أي أجعل أقواما مجتمعين فرقا.
(١) كذا في ف. وفي بقية الأصول: وليدا.
(٢) كذا في الأصول، وفي ف: بالفضل.
(٣) ف: حيث.
(٤) المجلحة: المصيبة التي تستأصل كل شيء. وفي ف: مجلجلة، أي مدويه بعيدة الذكر.