كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

الخبر في هذه القصة، وسبب منافرة عامر وعلقمة وخبر الأعشى وغيره معهما فيها

صفحة 462 - الجزء 16

  قال: لأنه أنجل منك عينا في النساء، وأكثر منك نفيرا عند ثورة الدعاء. قال عامر: هل غير هذا؟ قال: نعم. هو أكثر منك نائلا في الثّراء، وأعظم منك حقيقة عند الدعاء. ثم قال لعلقمة: كيف تفاضل عامرا؟ قال: ولم يا هرم؟

  قال: هو أنفد منك لسانا، وأمضى منك سنانا. قال علقمة: فهل غير هذا؟ قال: نعم. هو أقتل منك للكماة، وأفك منك للعناة.

  دهاء الحكم

  قال: ثم إن هرما أرسل إلى بنيه وبني أبيه: إني قائل غدا بين هذين الرجلين / مقالة، فإذا فعلت فليطرد بعضكم عشر جزائر فلينحرها عن علقمة، ويطرد بعضكم عشر جزائر، فلينحرها عن عامر، وفرّقوا بين الناس، لا تكون لهم جماعة.

  وأصبح هرم، فجلس مجلسه، وأقبل الناس، وأقبل علقمة وعامر حتى جلسا، فقام لبيد فقال:

  يا هرم ابن الأكرمين منصبا ... إنك قد ولَّيت حكما معجبا

  فاحكم وصوّب رأس من تصوّبا ... إن الذي يعلو علينا ترتبا⁣(⁣١)

  لخيرنا عما وأما وأبا ... وعامر خيرهما مركَّبا ... وعامر أدنى لقيس نسبا

  الفصل في المنافرة

  فقام هرم فقال: يا بني جعفر، قد تحاكمتما عندي، وأنتما كركبتي البعير الأدرم: تقعان إلى الأرض معا، وليس فيكما أحد إلا وفيه ما ليس في صاحبه، وكلاكما سيد كريم.

  / وعمد بنو هرم وبنو أخيه إلى تلك الجزر، فنحروها حيث أمرهم هرم عن علقمة عشرا، وعن عامرا عشرا، وفرقوا الناس، فلم يفضّل هرم واحدا منهما على صاحبه، وكره أن يفعل وهما ابنا عم، فيجلب بذلك عداوة، ويوقع بين الحيين شرا.

  سبب انضمام الأعشى إلى عامر

  قال: وكان الأعشى حين رجع من عند قيس بن معد يكرب بما أعطاه طلب الجوار والخفرة من علقمة، فلم يكن عنده ما طلب، وأجاره وخفره عامر، حتى إذا أداه وماله إلى أهله قال:

  علقم ما أنت إلى عامر ... الناقض الأوتار والواتر

  ثم أتمها بعد النّفار. فلما بلغ علقمة ما قال الأعشى، وأشاع في العرب أن هرما قد فضّل عامرا، توعّد الأعشى، فقال الأعشى:

  لعمري لئن أمسى من الحيّ شاخصا


(١) ترتبا: أبدا، أو جميعا.