كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

من غزل جرير

صفحة 481 - الجزء 16

  ابن أبي عتيق وبيت جرير

  أخبرني الحرميّ قال: حدّثنا الزبير بن بكار قال: حدّثنا المدائنيّ. وأخبرنا محمد بن العباس اليزيديّ، عن أحمد بن زهير، عن الزبير بن بكار قال: عن المدائنيّ قال:

  شهد رجل عند قاض بشهادة، فقيل له: من يعرفك؟ قال: ابن أبي عتيق. فبعث إليه يسأله عنه. فقال: عدل رضا. فقيل له: أكنت تعرفه قبل اليوم؟ قال: لا. ولكني سمعته ينشد:

  غيّضن من عبراتهن وقلن لي: ... ماذا لقيت من الهوى ولقينا!

  فعلمت أن هذا لا يرسخ إلا في قلب مؤمن، فشهدت له بالعدالة.

  أخبرني الحرميّ قال: حدّثنا الزبير قال: حدّثنا محمد بن الحسن ومحمد بن الضحاك قالا:

  أبو السائب المخزومي يذهب بعقله غزل جرير

  / كان أبو السائب المخزوميّ واقفا على رأس بئر، فأنشده ابن جندب:

  إن الذين غدوا بلبك غادروا ... وشلا بعينك لا يزال معينا

  فرمى بنفسه في البئر بثيابه، فبعد لأي ما أخرجوه.

  أشعب وسالم بن عبد اللَّه بن عمر

  أخبرني محمد بن خلف وكيع قال: حدّثنا محمد بن الحسن الزّرقيّ قال: حدّثنا العلاء بن عمرو الزّبيريّ، من ولد عمرو بن الزبير، قال: حدّثنا يحيى بن أبي قتيلة⁣(⁣١) قال: حدّثني إسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسن بن عليّ $، عن أشعب قال:

  جاءني فتية من قريش، فقالوا لي: نحب أن تسمع سالم بن عبد اللَّه بن عمر صوتا من الغناء، وتعلمنا ما يقول لك، وجعلوا لي في ذلك جعلا. فدخلت عليه، فقلت: يا أبا عمروا، لي مجالسة وحرمة، ومودة وسنّ، وأنا مولع بالترنم. قال: وما الترنم؟ قلت: الغناء. قال: وفي أي وقت؟ قلت: في الخلوة، ومع الإخوان في الخارج. وأحب أن أسمعك، فإن كرهته أمسكت عنه. ثم غنيته، فقال: ما أرى بأسا. فخرجت إليهم، فأعلمتهم، فقالوا: وما غنيته؟ فقلت: غنيته:

  قرّبا مربط النعامة مني ... لقحت حرب وائل عن حيال

  قالوا: هذا بارد لا حركة فيه، ولسنا نرضى. فلما رأيت دفعهم إياي، وخفت ذهاب ما جعلوا لي، رجعت إليه، فقلت: يا أبا عمرو، آخر. قال: مالي ولك؟ / ولم أملَّكه أمره حتى غنيت، فقال: ما أرى بأسا. فخرجت إليهم فأعلمتهم. قالوا: وما غنيته؟ قلت:

  لم يطيقوا أن ينزلوا ونزلنا ... وأخو الحرب من أطاق النزولا

  قالوا: وليس هذا بشيء. فرجعت إليه، فقلت: آخر. فاستكفّني، فلم أملَّكه القول حتى غنيته:


(١) ف: ابن قتيلة.