أخبار نائلة بنت الفرافصة ونسبها
  / أن نائلة بنت الفرافصة كتبت إلى معاية بن أبي سفيان، وبعثت بقميص عثمان مع النّعمان بن بشير، أو عبد الرّحمن بن حاطب بن أبي بلتعة:
  «من نائلة بنت الفرافصة إلى معاوية بن أبي سفيان.
  أما بعد، فإني أذكركم باللَّه الذي أنعم عليكم، وعلمكم الإسلام، وهداكم من الضلالة، وأنقذكم من الكفر، ونصركم على العدو، وأسبغ النعمة(١)؛ وأنشدكم باللَّه، وأذكَّركم حقه وحق خليفته الذي لم تنصروه(٢)، وبعزمة اللَّه عليكم، فإنه ø يقول: {وإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى / الأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ أللهِ}(٣). وإن أمير المؤمنين بغي عليه، ولو لم يكن له عليكم حقّ إلا حقّ الولاية، ثم أتي إليه بما أتي، لحقّ على كل مسلم يرجو أيام اللَّه أن ينصره، لقدمه في الإسلام، وحسن بلائه، وأنه أجاب داعي اللَّه، وصدّق كتابه(٤)، واللَّه أعلم به إذ انتجبه، فأعطاه شرف الدنيا وشرف الآخرة.
  وإني أقص عليكم خبره، لأني كنت مشاهدة أمره كله، حتى أفضي إليه:
  وإن أهل المدينة حصروه في داره، يحرسنه ليلهم ونهارهم. قيام على أبوابه بسلاحهم، يمنعونه كل شيء قدروا عليه، حتى منعوه الماء، يحضرونه الأذى، ويقولون له الإفك. فمكث هو ومن معه خمسين ليلة، وأهل مصر قد أسندوا أمرهم إلى محمد بن أبي بكر وعمار بن ياسر، وكان عليّ مع المحرّضين من أهل المدينة، ولم يقاتل مع أمير المؤمنين، ولم ينصره، ولم يأمر بالعدل الذي أمر اللَّه تبارك وتعالى به. فظلت تقاتل خزاعة وسعد بن بكر وهذيل، وطوائف من مزينة وجهينة، / وأنباط يثرب، ولا أرى سائرهم، ولكني سميت لكم الذين كانوا أشد الناس عليه في أول أمره وآخره. ثم إنه رمي بالنّبل والحجارة، فقتل ممن كان في الدار ثلاثة نفر، فأتوه يصرخون إليه، ليأذن لهم في القتال، فنهاهم عنه، وأمرهم أن يردوا عليهم نبلهم، فردّوها إليهم، فلم يزدهم ذلك على القتال إلَّا جراءة، وفي الأمر إلا إغراء. ثم أحرقوا باب الدار، فجاءه ثلاثة نفر من أصحابه، فقالوا: إن في المسجد ناسا يريدون أن يأخذوا أمر الناس بالعدل، فأخرج إلى المسجد حتى يأتوك، فانطلق فجلس فيه ساعة، وأسلحة القوم مطلة عليه من كل ناحية، وما أرى أحدا يعدل، فدخل الدار، وقد كان نفر من قريش على عامتهم السلاح، فلبس درعه، وقال لأصحابه: لولا أنتم ما لبست درعا، فوثب عليه القوم، فكلمهم ابن الزبير، وأخذ عليهم ميثاقا في صحيفة، بعث بها إلى عثمان: إن عليكم عهد اللَّه وميثاقه ألَّا تعرّوه بشيء، فكلموه وتحرجوا، فوضع السلاح، فلم يكن إلا وضعه، حتى دخل عليه القوم يقدمهم ابن أبي بكر، حتى أخذوا بلحيته، ودعوه باللَّقب. فقال: أنا عبد اللَّه وخليفته، فضربوه على رأسه ثلاث ضربات، وطعنوه في صدره ثلاث طعنات، وضربوه على مقدم الجبين فوق الأنف ضربة أسرعت في العظم، فسقطت عليه وقد أثخنوه وبه حياة، وهم يريدون قطع رأسه، ليذهبوا به، فأتتني بنت شيبة بن ربيعة، فألقت نفسها معي عليه، فوطئنا وطئا شديدا، وعرّينا من ثيابنا، وحرمة أمير المؤمنين أعظم.
  فقتلوه رحمة اللَّه عليه في بيته، وعلى فراشه. وقد أرسلت إليكم بثوبه، وعليه دمه، وإنه واللَّه لئن كان أثم من قتله،
(١) ف: وأوسع عليكم النعمة.
(٢) ف: وحق خليفته أن تنصروه.
(٣) سورة الحجرات آية: ٩.
(٤) كذا في ف. وفي الأصول: رسوله.