أخبار عبد يغوث ونسبه
  مياها جبابا، فتكون غنيمتكم ترابا. قال أبو عبيدة: فذكر أنه اجتمع من مذحج ولفّها اثنا عشر ألفا، وكان رئيس مذحج عبد يغوث بن صلاءة، ورئيس همدان يقال له مسرّح(١)، ورئيس كندة البراء بن قيس بن الحارث. فأقبلوا إلى تميم، فبلغ ذلك سعدا والرّباب، فانطلق ناس من أشرافهم إلى أكثم بن صيفيّ، وهو قاضي العرب يومئذ، فاستشاروه، فقال لهم: أقلَّوا الخلاف على أمرائكم، واعلموا أن كثرة الصّياح من الفشل، والمرء يعجز لا محالة.
  يا قوم تثبّتوا، فإن أحزم الفريقين الرّكين، ورب عجلة تهب ريثا. واتّزروا للحرب(٢)، وادّرعوا الليل، فإنه أخفى للويل، ولا جماعة لمن اختلف.
  فلما انصرفوا من عند أكثم تهيئوا، واستعدّوا / للحرب، وأقبل أهل اليمن، من بني الحارث من أشرافهم يزيد بن عبد المدان ويزيد بن مخرّم، ويزيد بن الطيثم(٣) بن المأمور، ويزيد بن هوبر، حتى إذا كانوا بتيمن(٤) نزلوا قريبا من الكلاب، / ورجل من بني زيد بن رياح بن يربوع، يقال له مشمّت بن زنباع في إبل له، عند خال له من بني سعد، يقال له زهير بن(٥) بوّ، فلما أبصرهم المشمّت قال لزهير: دونك الإبل، وتنحّ عن طريقهم، حتى آتي الحيّ فأنذرهم. قال: فركب المشمّت ناقة، ثم سار حتى أتى سعدا والرّباب وهم على الكلاب، فأنذرهم، فأعدّوا للقوم، وصبّحوهم، فأغاروا على النعم فطردوها، وجعل رجل [من أهل اليمن] يرتجز ويقول:
  في كل عام نعم ننتابه ... على الكلاب غيّبا أربابه
  قال: فأجابه غلام من بني سعد كان في النّعم، على فرس له، فقال:
  عما قليل سترى أربابه ... صلب القناة حازما شبابه
  على جياد ضمّر عيابه
  قال: فأقبلت سعد والرّباب، ورئيس الرّباب النعمان بن جساس، ورئيس بني سعد قيس بن عاصم المنقريّ. قال أبو عبيدة: اجتمع العلماء على أن الرئيس كان يومئذ قيس بن عاصم. فقال ضبّيّ حين دنا من القوم:
  في كلّ عام نعم تحوونه ... يلقحه قوم وتنتجونه
  أربابه نوكى فلا يحمونه ... ولا يلاقون طعانا دونه
  أنعم الأبناء تحسبونه ... هيهات هيهات لما ترجونه
  فقال ضمرة بن لبيد الحماسيّ(٦): أنظروا إذا سقتم النعم، فإن أتتكم الخيل عصبا عصبا، وثبتت الأولى للأخرى، حتى تلحق، فإن أمر القوم هيّن. وإن لحق / بكم القوم، فلم ينظروا إليكم حتى يردّوا وجوه النعم، ولا ينتظر بعضهم بعضا، فإن أمر القوم شديد. وتقدمت سعد والرّباب، فالتقوا في أوائل الناس، فلم يلتفتوا إليهم، واستقبلوا النّعم من قبل وجوهها، فجعلوا يصرفونها بأرماحهم، واختلط القوم، فاقتتلوا قتالا شديدا يومهم، حتى إذا كان من
(١) «النقائض»: مشرح.
(٢) «النقائض»: وابرزوا للحرب.
(٣) ف: الطيسم. «النقائض»: الكيشم.
(٤) ف: بثبير. وتيمن: ما بين نجران إلى بلاد بني تميم.
(٥) «النقائض»: ومعه رجل يقال له زهير. وذكر ابن عبد ربه («العقد الفريد ٥: ٢٢٦) أن الذي حذرهم ابن لجزء بن جزء الباهلي.
(٦) كذا في «النقائض» (١: ١٥٠) و «العقد الفريد» (٥: ٢٢٦) وهو الصحيح كما يلي. وفي الأصول: ضمرة بن أسد الحارثي.